البراطيل خربت جرش / كمال الزغول

البراطيل خربت جرش
لم يكن في عهد الدولة الرومانية منذ دخول الامبراطور بومبي في القرن الاول للميلاد اي اهتمام الا دحر المملكة النبطية المزدهرة الممتدة من بصرى الشام الى البحر الاحمر، والاستفادة مما استغله الانباط من سيطرة على طرق التجارة بين قارات العالم ،حيث قام هذا الامبراطور بتأسيس حلف “الديكابوليس” المؤلف من عشر مدن في منطقة الشرق الأوسط ، هذه المدن كانت شبه مستقلة اقتصاديا بميزانيتها وحتى بصك عملتها وتم فتح طرق بين هذه المدن ومن هذه المدن في الاردن : فيلادلفيا وهي عمان ،وجراسا وهي جرش ، وبيلا وهي طبقة فحل ، وارابيلا وهي اربد، وجدارا وهي ام قيس .
عندما ازدهرت هذه المدن اصبحت جرش هي عاصمة مدن الحلف “الديكابوليس” واصبحت مركزا اقتصاديا وعسكريا وثقافيا حيث اصبحت منطقة جاذبة للفلاسفة والشعراء، ولذلك اشتهرت وكثرت فيها الاموال، وسيطر عليها الساسة، وحسب الروايات “الاسطورية” لهذه المدينة فانه تم بناء الف عامود بعدد الشعراء والفلاسفة والكتاب الذين أموا مدينة جرش للمشاركة بنشاطاتها واحتفالاتها السنوية،وايضا حسب الروايات التاريخية فإن الفساد تفشى بعد الإزدهار، وخاصة عندما احتل الفرس جرش عام 612 م وعاثوا فيها الفساد، ودمروا عمارتها ومكثوا بضع سنين كما ورد في التاريخ وكما ورد في القرآن الكريم في سورة الروم “غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ “.
منذ تلك اللحظة و”الخصخصة” الفاسدة للمدينة تُبدع في تسهيل الرشوة بين السياسيين ورجال الاعمال حيث قاموا برشوة السياسيين لبيع اعمدة وحجارة جرش بطريقة رسمية ، وما زاد الطين بلة لتسهيل عمل الفاسدين والمرتشين هو وقوع كارثة طبيعية اهلكت الحرث والنسل وهي الهزة الارضية التي حدثت في القرن الثامن للميلاد عام 746م في عهد الدولة الاموية، مما اعطى ايضا تشجيعا على بيع حجارة واعمدة جرش من جديد، حيث من الملاحظ ان بيوت ومسجد الامويين داخل مدينة جرش اصبح من الحجارة الصغيرة والمباني الصغيرة لتلافي اي هزة قادمة وما زالت هذه الآثار موجودة لحد الآن.
المراقب من ناحية جيولوجية ومن ناحية عمرانية في الاردن ،يجد حجارة جرش واعمدتها منتشرة في كل مناطق المملكة ، ومنها قد تم استخدامه لبناء البيوت، وامتدت هذه التجارة في بيع الإرث الحضاري والثقافي عبر العصور حتى وصلت الى عهد الدولة العثمانية ، الدولة العثمانية ايضا لم تكترث بالإرث التاريخي والدليل على ذلك مدينة البتراء الضائعة والتي تم اكتشافها عام 1812م وقصر المشتى الذي أخذ الألمان من على واجهته مجموعة من الأسود المنحوتة بصيغة فاسدة بحجة بناء سكة حديد الحجاز بتجاهل من الاتراك وهذه الأسود موجودة الآن في متاحف المانيا و”حجر ميشع” الذي احتفظ فيه الفرنسيون في متاحفهم .وفي آخر مائة عام من عمر الدولة العثمانية تداول اهالي جرش الشرفاء الرافضون لاي فكرة فساد المثل الشعبي المستنبط من كل هذا التاريخ ” البراطيل خربت جرش” عاصمة الشرق الاوسط ومدن “الديكابوليس” والذي قاله احد حكمائهم وشيوخهم كبار السن في الفترة العثمانية ،وفي النهاية نقول ان الفساد نخر مدن “الديكابوليس” العشرة بالكامل وقطع اوصالها ودمر اقتصادها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى