
الرحيل الوشيك للحكومة
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
لفت نظري المقال الذي نشره موقع عمون الإخباري والمعنون ب”متى ترحل الحكومة” والذي تناول فيه الكاتب عمر #الحكومات وموجبات تغييرها ،و #الظروف_السياسية والمتطلبات الإقليمية والمحلية للتغيير،وقدرات رئيس #الحكومة التي تؤثر في توقيت التغيير. وفي الوقت الذي أتفق تماما مع ما أورده الكاتب السيد سميح المعايطة ،فإني أود التأكيد بأنه ما دام أن تشكيل الحكومات يتم على أسس انتقائية شخصية ،وليس على منطلقات وأسس حزبية برامجية ،فإن إقالة الحكومات وإعادة تشكيلها تستهدف عمليا وفعليا إقالة لرئيس الحكومة ،وتكليف رئيس آخر لتشكيل حكومة أخرى قد تضم نصف أو أكثر من أعضاء الحكومة المقالة.وهنا نتساءل ما دام أن الحكومات الجديدة (كما جرت العادة) تضم أكثر من 50% من أعضاء الحكومات السابقة ،وما دام أن الحكومات الأردنية لا تتشكل على أسس برامجيه فإن الأساس الدستوري (البند 1 من المادة 50 من الدستور الأردني)الذي يعتبر أن الحكومة تعتبر حكما منحلة إذا استقال رئيس الوزراء لم يعد له مبرر، لأن هذا النص الدستوري استند لمقاصد افترضت أن الحكومة يتم اختيارها وفق انتخابات عامة مستندة لأسس حزبية وبرامجية ،وبالتالي فإن استقالة الرئيس تعتبر فعليا استقالة للحكومة لأن الرئيس وفريقه الوزاري استمد شرعيته من صناديق الإقتراع.وعليه فإننا نعتقد بأنه بغياب النهج الحزبي في اختيار الحكومات فإن اعتبار الحكومة منحلة إذا استقال رئيس الوزراء لا معنى له ،وهو مكلف للدولة لما يتطلبه من تكليف وزراء جدد تغلب عليهم صفة الموظفين البيروقراطيين الذين يقتقرون إلى الرؤى ،والنظرات السياسية الثاقبة ،وصفات رجال الدولة.نعتقد أن الإلتزام بهذه المادة في تشكيل الحكومات الأردنية منذ ستينات القرن المنصرم لم يكن منسجما مع مقاصد المشر عين الأوائل ،وقد كلف الخزينة الكثير من النفقات ،وأدى إلى تراكم أعداد هائلة من الوزراء المتقاعدين ويكفي أن نشير هنا إلى أن عدد الوزراء المتقاعدين في الأردن تجاوز (600) وأن ورثتهم والمستفيدين من مزايا التوزير تجاوز(17000) شخص .لقد كان بالإمكان فعليا اقتصار التغيير على شخوص رؤساء الحكومات ما دام أنه لا الرئيس ولا الوزراء يأتون وفق برامج سياسية.
أما بالنسبة لحكومة بشر #الخصاونة وأقصد هنا #الفريق_الوزاري فإننا نعتقد بأنها ليست أسوأ من الحكومات السابقة ،وأن الاحتقان والإحباط في الشارع الأردني موجه بشكل أساسي إلى شخص الرئيس وعثراته ومفآجئاته.نعم الإتفاقية مع الجانب الأمريكي التي أعطت القوات الأمريكية امتيازات تنتهك السيادة الأردنية أغضبت الأردنيين من عقربا إلى العقبة ،حيث لم تعرض هذه الاتفاقية على البرلمان كما تتطلب المقتضيات الدستورية …نعم أن اتفاقية المياه والطاقة مع اسرائيل أثارت حفيظة الأردنيين الذين قدموا) 2200( شهيد من أجل ثرى فلسطين، خصوصا وأن هذه الاتفاقية لم تعرض أيضا على البرلمان ،علما بأن الأردن يمتلك خيارات عديدة لمعالجة الوضع المالي المأزوم. يدرك كثير من الأردنيين أن دور الحكومة ورئيسها في هذه الاتفاقيات محدود ،أو قد لا يكون لهم دور (وزير استدعي على عجل للتوقيع اتفاقية النوايا كما أفادت وكالات الأنباء) وهنا يبرز التساؤل لماذا كل هذا النقد اللاذع لرئيس الوزراء؟
نعتقد بأن العصبية (Temperament) والسلوك الصدامي (Confrontational behavior) لدولة الرئيس تسببت بعثرات ومواقف محرجة أثارت الرأي العام ،وشكلت انطباعات سلبية عن الحكومة.مفاجئات متعددة واشتباكات لفظية،ومشادات، وعراكات ،وتشابك بالأيدي واستخدام وسائل وأدوات، بدلا من الحوار والإقناع الذي يعد أساسا للعمل السياسي الديمقراطي، كل ذلك أدى إلى تآكل سمعة الرئيس وانعكس سلبيا على حكومته.
لم تكن كفاءة العديد من رؤساء الحكومات السابقين أفضل كثيرا من كفاءة الدكتور بشر الخصاونة ،فجلهم وقعوا على اتفاقيات لم تكن تلقى قبولا من الأغلبية الساحقة من الأردنيين ،ومعظهم فرضوا ضرائب جديدة، وأسهموا في زيادة المديونية ،وعينوا أقاربهم وأصدقاءهم في مواقع متقدمة ،ولكنهم لم يقعوا في منزلقات مشاجرات شخصية ،وتحملوا النقد الذي تعرضوا له ،وتجاوزوا التجريح ،ووفروا على أنفسهم الجاهات والإعتذارات وبوس اللحى.
الحكومة الأردنية الحالية وصلت إلى مألاتها ،وجلالة الملك يعطي الفرص ،وأحيانا يتدخل لملئ الفراغ وإطالة عمر الحكومات ،لكن هذه الحكومة أصبحت تشكل عبئ (Liability) على النظام السياسي وعلى الملك نفسه ،وهي تستنفذ مخزون النظام من الرصيد السياسي والعشائري.
النضج ،والإتزان السياسي ،وسعة الصدر ،وتحمل النقد سمات أساسية لمن يضطلع بالمواقع العامة ،وهذه صفات قد لا تنكشف إلا بالممارسة ،وتتبع التاريخ الوظيفي للمرشح لإشغال مواقع عامة .ضمن هذا السياق ، لا بد من التساؤل هنا عن دور الأجهزة الرسمية والإستشارية والمخابرات التي تقدم للملك تقارير مفصلة عن الجوانب والخصائص السياسية والشخصية والمجتمعية المتعلقة بالشخصيات المرشحة لتحمل المسؤولية العامة.
الحكومة الأردنية الحالية ستغادر بعد إقرار التعديلات الدستورية تاركة خلفها إرثا سلبيا يستدعي بالضرورة إعادة النظر وتقييم أسس الإختيار (بحضور الأحزاب أو بغيابها).نحن مع اختيار العناصر الشبابية واتاحة الفرصة لهم لخدمة وطنهم ،ولكن يجب أن تتوفر فيهم متطلبات وخصائص رجال الدولة ،وتحمل التوتر والنقد وضغوط العمل ،والقدرة على الحضور والإشتباك مع الرأي العام ومخاطبته وإقناعه وعدم الإنزواء الإعلامي .