
قفز العلم قفزة واسعة جدا في العصر الحديث ، وتخلف التفكير الديني ، وبذلك حدث الاختلال في التوازن ، وظهر الاضطراب ، ، وليس إلى إعادة التوازن من سبيل ، إلا إذا قفز الدين هذه القفزة الجريئة نفسها نحو الفهم الذري للدين الذي يجعله يناسب عصر الذرة والصواريخ والحواسيب.
لأن عصر الذرة يتطلب فهما ذريا للدين – أعني فهماً دقيقاً ، يصل إلى نواة الدين ، ويفجر تلك النواة تفجيراً يسمع له دوي أعتى من دوي تفجيـر النواة المادية ، وأصبح على الدين دور جديد ، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب – طور المراهقة – ليـدخل بها عهـد الرجـولة والاكتمال . ولما كان الفرق بين الطفل والرجل كبيرا شاسعا ، فالرجل يتحمل مسئولية عمله ، بينما الطفـل يطلب الحماية من تلك المسئولية ، فقد أصبح على الدين ، منذ اليوم ، ألا ينبني على الغموض ، وألا يفرض الإذعان ، على نحو ما كان يفعل في عهود طفولة العقل البشري .. وإنما يجب عليه أن يقدم منهاجا متكاملا للحياة ، يخاطب العقل ، ويحترمه ، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة ذلك المنهاج في الحياة اليومية ،
الإرادة البشرية أمانة وضعها الحق بأيدي الخلق:
العلم التجريبي الروحي – الدين – مادته الطاقة ، أيضا ، ولكنها في هذه الحالة ( الإرادة ) البشريـة .. هل هي ( مخيـرة ) أم ( مسيرة ) كالطاقة المادية ؟؟ ونحـن ألفنا ، عند التحدث عن الدين ، أن نتحدث عن أديان التوحيد ، ، والحقيقة أن البشـر ، في جميع عصورهم ، لم يعبـدوا غيـر هـذه الإرادة البشـرية ، ، وأعـني به الإسلام ، فإن أرقى معتنقيه يعبدون من دون الله إلها آخر ، هو ( إرادتهم البشرية والخطاب البشري ) ولكنهم لا يفطنون إلى ذلك ، ويظنون أنهم يحسنون صنعا .. ويسخرون من باقي عباد الله الذين اعتمدوا على الخطاب الإلهي المتمثل في القرآن الكريم
إن أينشتين ، يقول: (( إن ديني هو إعجابي ، في تواضع ، بتلك الروح السامية التي لا حد لها ، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة ، القليلة ، التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة ، العاجزة ، وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام ، إن هـذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله )) ونحـن ، بعلمنا الروحـي ، نبدأ من حيث انتهى هذا العالم الجليل بعلمه المادي ، ومع أنه واضح أن أينشتين قد قررمسالة الجبر ، وذلك بقوله : (( وهو إيماني العاطفي ، العميق ، بوجود قدرة عاقلة ، مهيمنة ، تتراءى حيثما نظرنا ، في هذا الكون المعجز للأفهام )) ، إلا أنـه واضـح أيضا أنـه يتـسـاءل تسـاؤلا صامتا : ما هي هـذه القدرة العاقلة المهيمنة ؟؟ وما مدى هيمنتها ؟؟ ونعتـقـد أن الإجابة على هذين السؤالين هي الإجابة على مسألة الجبر والاختيار ، وبها ترد مظاهر الأخلاق البشرية إلى أصل واحد ، كما ردت من قبل مظاهر الكون المادي إلى أصل واحد .
قلنا أن العلم التجريبي المادي ، والعلم التجريبي الروحي توأمان ، وإن كانت الإرادة البشرية تتدخل فيه ، ووسيلته المعادلات الرياضية ، ومعدات التجارب في المعامل ، ومادة العلم التجريبي الروحي الكون المادي ، والإرادة البشرية معا ، ووسيلته القرآن ، والعبادة ، في الخلوات ، والجلوات ، وأنتم ترون ، من هنا ، أن الدين الذي أعنيه في صدر حديثي هو الإسلام . وأحب أن أعترف أني بدأت عن تصديق ، لأني ولدت من أبوين مسلمين ، ولكن التصديق لم يبلغ بي درجة التعصب والعمى ، فيلتوي بنتائج تجربتي وإنما استطعت ، بتوفيق الله ، أن أسير مفتوح العينين ، إلى النتائج التي رسخت تصديقي البدائي ، وانتقلت بي إلى اليقين
وسائل العلم التجريبي الروحي
ولا بد من كلمة قصيرة عن وسائل التجربة الدينية ، وأولها وأولاها ، القرآن ، ونحن نسمع الناس يقولون أن القرآن كلام الله ، فما معنى هذا ؟؟ إن الله ليس كأحدنا ، وليس كلامه ككلامنا ، بأصوات تنسل من الحناجر ، فتقرع الآذان .. إن كلام الله خلق .. فالشمس تطلع ، فترسل الضوء ، والحرارة ، فتبخر الحرارة الماء ، وتثير الرياح ، وتحرك الهواء ، وتحمل الرياح بخار الماء ، في سحب كثيفة ، إلى بلد بعيد ، فينزل المطر ، فيروي الأرض ، ويحييها بعد موتها ، فينبت الزرع ، وتدب الحياة ، بمختلف صورها ، وشكولها .. هذه صورة موجزة ، ، لكلام الله . فالقرآن صورة هذا الكلام ، أو قل هذا العلم ، مفرغ في قوالب التعبير العربية الرائعة.. ويظن كثير من كبار العلماء أن القرآن هو اللغة العربية ، وذلك خطأ شنيع .. وهو خطأ جعلهم يلتمسون معاني القرآن في اللغة العربية ، فانحجبوا بالكلمات ، وهم يظنون أنهم على شئ .. واللغة أساسا ، نشأت بدوافـع الحاجة اليومية ، في الحياة الجسدية ، فهي ، مهما تطورت ، فإنها تعجز ، كل العجز ، عن تحمل معنى كلام الله وهي ، على خير حالاتها ، لا تقوم منه إلا مقام الرمز ، والإشارة .. فالكون هو قرآن ومحمد قرآن كان يمشي على الأرض
، ولست أريد أن أطيل هنا ، فإن الإيجاز في ذلك يكفي.