
الصفحة غير موجودة
تكثر الأخبار المثيرة والمانشيتات الملفتة في المواقع الإخبارية بحثا عن جذب الانتباه وسرق الأنظار والتمسمر في هذا الموقع وذاك،وعندما تقرأ خبرا ملفتا مثيرا وتذهب لتفتح الصفحة، تفاجئك عبارة” الصفحة غير موجودة”، لتجعلك تستاء وكأنك فقدت صيدا ثمينا او كما يقولون بالعامية”راح عليك نص عمرك”.
حُبّ الفضول من الصفات البشرية الطبيعية، ولا نخفي ان الناس متفاوتون في حبهم للفضول وتنوع اهتماماتهم،فهناك من يركز في مطالعاته على انواع معينة من الحقول المعرفية لدرجة الهوس،وهناك من يهتم بما هومتاح دون الغرق في البحث عن التفاصيل هنا وهناك،وهناك من يمر مرور الكرام على الاخبار ولايعتني بصورة كافية بها واحيانا يفضل ان يسمع من غيره كما اعتاد وفقا للثقافة التي سادت في مجتمعاتنا لقرون طويلة وكانت مبنية على الشفاهية في الخطاب والبناء المعرفي.
هي ليست مسألة أن الموقع الالكتروني وغيره فاته ان يحذف المانشيت الفارغ من المحتوى، وسهي عن إبقائه، وربما ظل محتفظا بالمانشيت المثير ليعزز الاعلان عن نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك على قاعدة أن الخبر موجود اي المانشيت واسم الموقع موجود لكن المحتوى فارغ او مكتوب عليه”الصفحة غير موجودة”، وقد يتساءل البعض لماذا لاتكتب عبارة” عذرا،الصفحة غير موجودة”،وهنا تبدأالشيطنة الإعلامية باعتبار ان القائمين على الموقع المشار اليه لايعرفون ان محتوى الخبر فارغ او تم تفريغه،لذلك لا يعتذرون ويتركوا المجال لفضولك ايها القارئ العظيم لتأكل صفعة بأن “الصفحة غير موجودة”.
مع ازدحام الاخبار والكوارث لم نعد كثيرا نهتم بجدية فائقة للحصول على محتوى الخبر المثير المحذوف،فالازدحام الهائل يجعلنا ننسى او نتناسى فالقضايا المتتابعة محليا وعربيا ودوليا باتت فيها إثارة وسرعة تنسخ بعضها بعضا،وتراكمها يجعلك تنساها بصورة سريعة او تخفف من غرائبيتها وقيمتها، على قاعدة “كثرة الأشياء تجعلها اكثر ألفة “.
والامر يحدث بصورة أكبر في كثير من الفيديوهات المحملة على المواقع الالكترونية فتجدها غير صالحة ، وعندها تجد نفسك مضطرا للذهاب لليوتيوب للبحث عنها، وغالبا تجدها،والسؤال هنا مرارا، لماذا تصر المواقع على إبقاء العناوين لهذه الفيديوهات مع علمها انها غير فعالة وغير صالحة على صفحتها،هل هي مرة اخرى لكسب الدعاية وجذب الانتباه؟أم ان هناك جهات معينة لديها القدرة على اختراق هذه المواقع والقيام بعملية تجعلها غير صالحة للتشغيل، رغم ان كثيرا من الفيديوهات غير الصالحة لاتتضمن مخاطر كبيرة على الدولة وعلى المجتمع.
الصفحة غير موجودة ياعزيزي لكن انت موجود، انت تقرا فانت موجود، وانت تتابع فانت موجود، وانت تكتب فأنت موجود، وإذا تعذرت القراءة من الصفحة غير الموجودة،فعليك القراءة من كتاب حياتك وحياة الآخرين المليء بالاوراق المبعثرة والمخزنة في ذاكرة الخبرات والتجارب، نحن كنا شفاهيين، وتمايزنا على كل الأمم بثقافتنا الشفاهية، وكانت معجزة لغتنا بخطابها الشفاهي الذي طغى على ثقافتنا ومازال رغم تطور المدونات الكتابية والالكترونية وحضورها في كل نواحي حياتنا.
rhyasen@hotmail.com



