الحُرمة أكرمكم الله!!! / د . ناصر نايف البزور

الحُرمة أكرمكم الله!!!

كم كان جميلاً و نبيلاً أن يُشتق للمرأة مرادفاً من الجذر الثلاثي “ح.ر.م” فكانت حَرَماً مصوناً و لؤلؤاً مكنوناُ يَحرُم و يستحيل المساس بها أو تدنيس قداستها و طهارتها أو تحقير شأنها أو العبث بسمو مكانتها…!!!
فكان على الرجل واجباً و لزاماً أن يقوم على خدمتها، و عونها و صونها و حمايتها و كفايتها تكليفاً بالقيام بمسؤولية رعاية مصالحها، لا تشريفاً بالتسلّط عليها و على حقوقها و إرادتها… و مِن هنا جاء التشريع الإلهي البديع: “الرجال قوّاموم على النساء” بمفهومه الربّاني الحقيقي: التشاركي التعاضدي التواددي؛ لا بمفهومه الذكوري الزائف: التسلّطي الاستعلائي التحقيري 🙁
و مع مرور الوقت و انحطاط الأمّة، خضعت المنظومة اللغوية الدلالية لمتغيّرات المنظومة الاجتماعية؛ فانحدرت كلمة “حرم” بانحدار القيمة المجتمعية للمرأة حتّى غدت المرأة سقط متاعٍ، و عورة، و سوءة و عار فكان لا بدَّ من تأنيث “حرم” لتصبح “حُرمة” بدلالاتها المقيتة و مفهومها المعاصر المشين… 🙁
فلقد عهدنا فيما مضى أن يستخدم الناس عبارة “أكرمكم الله” المعترضة تأدّبا و تلطّفاً عند الإشارة إلى كلِّ خبيثٍ، أو قذرٍ، أز نجِسٍ أو خسيس القيمة كقولهم: دخلتُ بيت الخلاء، أكرمكم الله” أو قولهم: لا تجلس عند الأحذية، أكرمكم الله” 🙁
و الغريب هو ما أصبحنا نشهده في زماننا من استخدام نفس التعبير عند حديث الرجل عن زوجته… و هذه تجربة أرويها ممّا سمعته مراراً من أصدقاء متعلّمين بل و متديّنين كقول بعضهم: “زوجتي، أكرمكم الله تكره السفر” !!! “أكرمكم الله، أم العيال لم تُعِد الغداء اليوم”!!!
و هذا أصبح فيما يبدو تقليداً متّبعاً لدى البعض و هو ناجمٌ عن تربية الأجيال على انكار و استغراب أيّ نشاط تؤديه المرأة خارج حدود عملها البيتي أو وظيفتها في العمل في أحسن الأحوال؛ و الحديث في جواز/ تحريم عمل المرأة يطول… 🙂
و هذا أمرٌ ألحظه دائماً و على سبيل المثال عندما أقوم أنا و زوجتي أو ابنتي بلعب الريشة الطائرة داخل فناء و أسوار بيتنا؛ إذ أرقب عيون الكثير من المارّة شيباً و شُبّاناً و صبياناً و هم يرمقوننا بنظرات الاستهجان و الشجب و الاستنكار؛ و لسان حالهم يقول: طب مش عيب و حرام يلعب هاظ الزلمة و هاي الحرمة قدّام الناس…. 🙂
لقد آنَ لنا تصويب الكثير من المفاهيم البائسة و التقاليد البالية المتعلّقة “بالحُرمة” أي الزوجة!!! و لقد تساءلت في بعض منشوراتي سابقاً و طرحتُ بعض الأمثلة و قلت:
* هل يستطيع رجلٌ في زماننا هذا أن يُسابق زوجته عند أو على رصيف الشارع…؟؟؟ النبي عليه الصلاة و السلام فعل هذا… !!!
* هل يستطيع رجلٌ في زماننا هذا أن يطلب من أصدقائه و أقاربه أن يُغادرو الغرفة أو المنزل ليخلو بزوجته…؟؟؟ النبي عليه الصلاة و السلام فعل هذا…
* هل يستطيع رجلٌ في زماننا هذا أن يقول على الملأ: أحَبُّ الناس إلى قلبي هي زوجتي… ؟؟؟ النبي عليه الصلاة و السلام فعل هذا…
*هل يستطيع رجلٌ في زماننا هذا أن يتمنّى أن تكون زوجته في الدنيا هي نفسها زوجته في الآخرة بدلاً من الحور العين…؟؟؟ الرسول عليه السلام فعل هذا….
أجل، الرسول عليه الصلاة و السلام فعل… و فعل… و فعل… وكان يُنادي زوجته و حبيبته عائشة فيقول: يا عائش… و يا حُميراء… و يا ابنة الصدّيق… فيما ينادي رجالنا نساءهم اليوم فيقولون: يا حُرمة… و يا بقرة… و يا بنت الكندرة…!!! 🙁
بمثل ذلك سَمَونا، و عَلونا، و بَنينا و مَلَكنا الدنيا فاحتَرَمَنا العالمُ بأسره… و بمثل هذا صغُرنا، و هَبطنا، و هَدمنا و مُلِكنا فاحتقرنا العالمُ جميعاً 🙁 و الله أعلم و أحكم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى