تحدي (داعش) ما بعد أفول (خلافته) / حسن أبو هنية

تحدي (داعش) ما بعد أفول (خلافته)
الراي-رغم الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والقضاء على مشروعه السياسي كدولة مع نهاية 2017، فإن التنظيم لا يزال يعمل كمنظمة لا مركزية ويتمتع بالقدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسورية، وهو لايزال يسيطر على جيوب عديدة وينتشر في مساحات واسعة، ولا تزال فروع التنظيم وولاياته الخارجية تتمتع بالقدرة على تنفيذ هجمات كبيرة في بلدان عربية وإسلامية مختلفة، وتشكل شبكاته ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و»ذئابه المنفردة» خطرا على أمريكا وأوروبا.

تلك هي أحدى الخلاصات التي خرج بها مؤتمر دولي عقد على مدى يومين في 27 و28 فبراير الماضي في العاصمة الأميركية واشنطن، ونظمته وزارة الخارجية الأميركية والإنتربول والمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، وشارك فيه قضاة ومسؤولون في أجهزة إنفاذ القانون ودبلوماسيون من حول العالم بهدف تعزيز التنسيق في جهود محاربة تنظيم «داعش»، وقد تحدث منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز عن الحرب ضد «داعش، وقال أنهم حققوا انتصارات عليه في كافة ميادين المعارك إلا أن «التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا»، وأضاف: «أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيًا على نحو متزايد».

لقد جادلنا في دراسة سابقة على انعقاد مؤتمر واشنطن حول مآلات ومستقبل تنظيم داعش ما بعد أفول حلافته، وخلصنا إلى ذات النتائج التي انتهى إليها منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، فلا يزال تنظيم «داعش» رغم طرده من مناطق سيطرته الحضرية المدينية يتمتع بقدرة على التكيّف، وأن الإعلان عن هزيمة نهائية للتنظيم لا تزال بعيدة المنال، وذلك من خلال التفريق بين نهاية المشروع السياسي لتنظيم الدولة، وبين التنظيم كحركة تمرد سنبة سلفية راديكالية تعمل كمنظمة تتوافر على هيكلية تنظيمية وإيديولوجية وتمويل، فمرحلة الانكماش والأفول بعد فقدانه لمناطق سيطرته الرئيسية ونهاية مشروع «الدولة» دشنت حقبة العودة إلى حالة «المنظمة» بالاعتماد على نهج حرب العصابات، ورغم أن عودة التنظيم مرة أخرى للتمدد وفرض سيطرته المكانية في العراق وسوريا مرة أخرى مستبعدة على المدى القريب، لكنها لا تزال ممكنة على المدى المتوسط والبعيد، نظرا لتوافر الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى بروزه وصعوده المثير.

أعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر الدولي الأخير، أن تنظيم «داعش» يتطوّر ويتكيّف مع الهزائم التي مني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تحوّل التنظيم المتشدد إلى اللامركزية يجعله أكثر انتشارًا وخطورة، وقال ناثان سيلز: «نحن نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن سقوط ما يسمى دولة الخلافة في العراق وسوريا لا يعني أن تنظيم داعش لم تعد لديه سلطة، بل على العكس من ذلك».

وأكد على إنه «مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة، فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا»، وأضاف: «المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة، نحن ننتقل من جهد عسكري بالدرجة الأولى إلى جهود مدنية وقمعية متزايدة»، وتابع: «أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيًا على نحو متزايد … إنه آخذ في التطور والتكيف».

لا جدال أن تحولات تنظيم «داعش» وتكيفاته تفرض تحديا يتطلب اتباع نهج مغاير يتعامل مع أنماط جديدة من المخاطر تتجاوز المقاربات العسكرية التقليدية وبحسب سيلز، فإن الإدارة الأميركية تعتمد في حربها ضد التنظيم المتشدد على أدوات عديدة أبرزها العقوبات المالية وقائمة بأسماء المسافرين جوًا واستخدام البيانات البيومترية في ضبط الحدود، وهي توصي بقية دول العالم بأن تحذو حذوها، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، في 27 فبراير 2018 إدراج عدد من الجماعات على صلة بتنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، وقال بيان للخارجية الأميركية، إنها أدرجت على لائحة الإرهاب «فروع داعش في كل من إفريقيا الغربية، والفلبين، وبنغلادش، والصومال، ومصر، إلى جانب جند الخلافة في تونس.

في ذات السياق كشف منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب، أنه على صعيد العقوبات المالية فإن الإدارة الأميركية أدرجت على قائمتها السوداء للمنظمات والأفراد «الإرهابيين» سبعة فروع لتنظيم داعش واثنين من قيادات التنظيم، هما أبو مصعب البرناوي زعيم جماعة بوكو حرام الجهادية في نيجيريا وغرب أفريقيا، ومهد معلم القيادي في تنظيم داعش في الصومال، وأضاف أن «هؤلاء الإرهابيين نشروا حملة تنظيم داعش الدموية في أربع جهات الأرض، وأن العقوبات ترمي إلى تأكيد أن تنظيم داعش هو «شبكة دولية» تصبح «أكثر فأكثر لامركزية».

ثمة سوء فهم والتباس في الإعلان عن هزيمة تنظيم «داعش» رغم طرده من معاقله الحضرية المدينية في العراق وسوريا، فلا يزال الخوف من هجمات التنظيم الخارجية يحتل المرتبة الأولى في قائمة المخاوف العالمية حسب مسح قام به مركز «بيو» في 1 آب/ أغسطس 2017، إذ لا يزال التنظيم حسب معهد دراسات الحرب يعمل على تصدير رؤيته لمسألة الخلافة إلى فروع خارجية، ويتكيّف بتحويل أيديولوجيته عن الخلافة من مجتمع مادي إلى مجتمع افتراضي منظم يعمل على نقل أهداف داعش بشكل مستقل عن المنظمة، فهزيمة داعش في سوريا والعراق قد لا تكون كافية لهزيمة تنظيم داعش العالمي.

خلاصة القول أن خطر تنظيم «داعش» لا يستند لمجرد كونه حركة جهادية إرهابوية بل لأنه مثّل لكثير من الشباب إيديولوجية احتجاجية سنيّة غاضبة لما آلت إليه أحوال العرب السنة في المنطقة من إقصاء وتهميش وإذلال بعد نهاية الحرب الباردة ومرحلة إحتلال العراق وحقبة تدمير الانتفاضات العربية فتنظيم الدولة الإسلامية بإعلانه إعادة تأسيس خلافة إسلامية سنيّة لم يكن مجرد حركة جهادية متطرفة بأهداف محدودة ولم يتمكن من خلق جاذبيته وتجنيد آلاف المقاتلين السنة العرب والأجانب بفضل قدراته التنظيمية ودعايته السياسية فحسب، بل إن معظم أنصار ومؤيدي «داعش» في العالم الإسلامي لا يتوافقون مع رؤيته الإيديولوجية الدينية المتصلبة وطرائق حكامته الفظة وأساليبه وتكتيكاته العسكرية المرعبة، فالتنظيم شكل خيارا اضطراريا لأجيال شابه محبطة تشعر بوجود مؤامرة مركبة محلية وإقليمية ودولية تهدد هويتها السنية، وتستهدف حاضرها ومستقبلها، تلك هي أخطر سردية يؤمن بها أنصار «داعش»، وهي ما تستحق العناية والملاحظة تفاديا لولادة نسخة «داعشية» جديدة أكثر خطورة وأشد تطرفا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى