ترامب ونتنياهو: أداء مسرحي مطارد بإجراءات عزل وقضايا فساد

شروق طومار

لا يمكن فصل الصورة التي ظهرا بها عن الواقع الذي يعيشه الإثنان، حتى لو أرادا أن يبدوا كما لو أنهما منتشيان بأوسمة الانتصار.

الرئيس دونالد ترامب يخضع لمحاكمة وإجراءات عزل، قد تفضي إلى شيء ما في النهاية، وهو يعاني من قلة الأصدقاء وكثرة الأدلة التي تشير إلى تورطه في التنسيق مع جهات خارجية لكي يضمن الفوز برئاسة الدولة العظمى.

شريكه في الصفقة، هو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، فاسد وملاحق بقضايا عديدة شملته هو وزوجته، ويبحث عن أي نصرٍ ولو كان واهيا لكي يؤسس لبعض الشعبية، وربما من أجل أن يعود إلى الزعامة وهو يطلب انتخابات ثالثة يظن أنه سيكسبها بعد هذه الاختراقات الكبيرة.

في سعيهما لأن يكون المشهد مسرحيا بالكامل، أدى الاثنان حركات معدة مسبقا؛ جعلتهما أشبه ببهلوانين تدرب كل منهما كثيرا على تفاصيل دوره، صافحا بعضهما بعضا مرات عديدة، نظرا في عيني بعضهما كثيرا، وتمسحا ببعضهما كما تفعل القطط، والأهم كان الزي الذي ارتدياه، حتى بدا كما لو أنه زي موحد، بتفاصيل تعزز الإيحاء بالتماهي والتكامل بين الطرفين.

تطابق تام في شكل ولون جميع قطع اللباس، مع لوني ربطتي العنق؛ الأحمر لترامب والنيلي لنتنياهو، مع خلفية من الأبيض الناصع للقميص، والكحلي الداكن للبدلة، شكلت معا ألوان علم الولايات المتحدة، الراعي التاريخي للوجود الصهيويني في المنطقة، فيما يذكر لون الربطة النيلي وسط الأبيض الناصع بألوان العلم الاسرائيلي.

كل شيء كان معدا سلفا كمسرحية تستقصي الشعبية والتصفيق، وهو ما ناله الإثنان في النهاية، من حضور أعد له سلفا أيضا، وتم اختياره ليكون أقرب إلى الكومبرس الذي لا يمكن أن تكتمل المسرحية بدونه، ولا بدون أدائه لدوره “الهامشي” بحرفية كبيرة وانسجام عال، رغم أنه يبقى كومبارس.

ترامب تخلى كثيرا، خلال المؤتمر الذي امتد لأكثر من ساعة، عن نمطه المعتاد في الحديث أثناء المؤتمرات الصحفية، والذي يغلب عليه التعجرف والتعالي، فبدا أكثر وداعة، اختار كلمات إنسانية رقيقة، وتحرى الإلقاء بنبرة هادئة ترافقها النظرات الدافئة التي حصل على النصيب الأكبر منها شريكه الواقف بجواره، لكنه أيضا لم يغفل توزيع بعضها على الجمهور متظاهرا بالنظر إليه.

الجمهور بدوره كان يقظا متحفزا تماما كما تطلب الدور، لم يغفل أي وقفة في حديث ترامب إلا وقام خلالها بالتصفيق المصحوب بالصفير أحيانا وبالوقوف أحيانا أخرى، وبالقدر المتفق عليه.

أما نتنياهو فقد تخلى هو الآخر عن تجهمه المعروف عنه، وحرص على ألا تفارق الابتسامة وجهه، حتى عندما سقطت أوراقه من يديه لمرتين متتاليتين، انسجاما مع أجواء التسامح والسلام التي حاول الاثنان الانصهار فيها.

شارك نتنياهو الجمهور جميع لحظات التصفيق بحرارة كما قاده لإطالة بعضها، فيما لم يكف عن هز رأسه تأييدا لما جاء في كلمة ترامب بطريقة استعراضية اعترتها في بعض الأحيان مبالغة عالية كادت تجعلها كأحد مشاهد المسرحيات الساخرة.

اجتهد الثنائي كثيرا في افتعال الارتياح لمداراة توتر حاول نتنياهو إخفاءه بممازحة الحاضرين أكثر من مرة، كتقديم تبريرٍ لشرب رشفة ماء قبل الـ “حديث الطويل”، بينما لم يكن هناك ما يتطلب منه هذا التبرير، فبدا بالمجمل أقل توفيقا فيما كان يصبو إليه، من شريكه ترامب الذي لجأ إلى الأداء الدراماتيكي في سبيل ذلك.

مشهد الختام، كان من أكثر المشاهد استعراضا، انهى نتنياهو كلمته بمفردات رنانة، استدعى نبرة حماسية في إلقائها، ثم التصفيق الممتد، ومصافحة الحاضرين في مظاهر تضفي مزيدا أجواء الاحتفال التي أرادها الاثنان أن تغمر هذا الحدث، وتجلجل في وسائل الاعلام لتسحب البساط من تحت حديث الساعة وموضوعها؛ محاكمة ترامب زعيم الدولة الأقوى، ونتنياهو زعيم طفلها المدلل اسرائيل، في وقت واحد.

لكن ما تسير عليه مجريات محاكمة الرجلين، والمفاجآت التي تتفجر تباعا في الآونة الأخيرة دون توقف، والتسريبات التي تعزز أدلة إدانتهما، أفقدت هذه المحاولات الحثيثة لمسرحة الحدث وإخراجه بدراماتيكية عالية، قدرتها على إحداث التأثير المنشود، ما قد يؤدي إلى عرض أجزاء أخرى للمسرحية في الأيام القادمة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى