
تعهدات ترامب المزعومة للأردن، وصفقة القرن
د. ماجد العبلي*
زعمت بعض التقارير الصحفية الأردنية أن ترامب تعهد بالحفاظ على سيادة الأردن، وعدم المساس بالوصاية الهاشمية في القدس المحتلة، مقابل توقيع الأردن صفقة القرن.
تعهدات ترامب – إذا صحت نسبتها له فعلا – لا معنى لها ولا أثر؛ فربما كانت مجرد تغريدة على التويتر أو تصريحا شخصيا لا أكثر. ولكي يكون للتعهد معنى وقيمة وأثر، فيجب ترجمته عمليا وقانونيا على أحد شكلين:
الشكل الأول:
أن تحتوي معاهدة أو اتفاقية صفقة القرن (إذا كانت هناك اتفاقية أصلا، وإذا حصلنا على نسخة منها) على فقرات واضحة وصريحة لا تقبل التأويل تضمن سلامة السيادة الأردنية والوصاية الهاشمية على القدس المحتلة؛ بحيث تكون وثيقة قانونية بيد الأردن يستطيع الدفاع بها عن حقه لدى المحاكم والمنظمات الدولية ذات الصلة. (وكون الصفقة على حساب المصالح العربية، فمن الأولى كتابة نسختها الأصلية باللغة العربية).
الشكل الثاني:
أن تتم ترجمة التعهدات قانونيا بإحدى صيغتين:
أ- إما أن يصدر الكونغرس الأمريكي قانونا يلزم الحكومة الأمريكية والحكومة الصهيونية (وأية حكومة أخرى) بعدم المساس بالسيادة الأردنية والوصاية الهاشمية بأي شكل من الأشكال.
ب- وإما أن يصدر الكنيست العبري قانونا يلزم الحكومة العبرية بعدم المساس بالسيادة الأردنية والوصاية الهاشمية بأي شكل من الأشكال.
وبخلاف ذلك تكون التعهدات مجرد كلام للاستهلاك الشعبي، وذر الرماد في العيون؛ لتغطية عملية التوقيع.
وتزعم تلك التقارير الصحفية أن الأردن مضطر للتوقيع لأنه لا يمتلك خيارات أخرى، وهذا مجرد تبرير زائف؛ فالأردن لديه خيار وطني يستطيع من خلاله تجاوز الضغوطات الخارجية والمشاكل الداخلية معا: إنه خيار عودة الملك للشعب كون الشعب مصدر السلطة الحقيقية، حيث يستطيع العمل مع الشعب على لتحقيق أهداف وطنية كبرى من خلال إجراءات جوهرية، وذلك على النحو التالي:
أولا: لتجنب الضغط السياسي الخارجي والداخلي:
1-يدعو لتشكيل لجنة وطنية عليا تضم كل أطياف القوى الوطنية دون أي تحفظ، وتحت الرعاية الملكية لإنجاز مشروعين على صفة الاستعجال:
الأول: مشروع تعديلات دستورية واسعة للانتقال نحو الملكية الدستورية التي تتضمن بالضرورة توزيع السلطة على المؤسسات الدستورية التي يجب أن تتمتع بالولاية الكاملة غير المنقوصة، بحيث لا يعود الملك يمتلك كامل القرار الوطني منفردا؛ ما يبطل فعالية الضغوطات الخارجية لدرجة تكاد تقترب من الصفر.
الثاني: مشروع قانون انتخاب برلماني متطور، يتيح للأحزاب والتيارات المجتمعية المختلفة بالعمل السياسي دون تمييز بين المواطنين، وعلى مستوى المملكة؛ ما يتيح الفرص الواسعة لبروز قيادات وطنية قادرة على مواجهة التحديات والنهوض بالوطن. على أن يسند القانون سلطة إدارة الانتخابات للسلطة القضائية المستقلة ذات الولاية الكاملة.
2- يعلن الملك بأنه سيؤجل اتخاذ قراره بشأن صفقة القرن إلى ما بعد الانتخابات النيابية التي ستجري بعد إنجاز وتفعيل مشروعي: الملكية الدستورية، وقانون الانتخاب الجديد، بحيث يتخذ قراره بناء على الإرادة الوطنية الرسمية (ممثلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية) والإرادة الشعبية (ممثلة بمؤسسات المجتمع المدني)؛ وذلك عبر استفتاء شعبي حرّ ونزيه وشفاف حول القرار الوطني تجاه صفقة القرن، بالموافقة أو عدم الموافقة. فإذا وافق الشعب خرج الملك من الحرج الداخلي، وإذا رفض الشعب تحصّن الملك بالإرادة الشعبية ضد الضغوطات الخارجية.
كل ذلك سيجعل الشعب، بكل أطيافه وتوجهاته، يلتف حول الملك باعتباره بطلا حقيقيا.
ثانيا: لتجنب الضغط الاقتصادي الخارجي والداخلي:
يمكن للملك أن يقود مبادرة إنقاذ اقتصادي وطني (ملكية) تقوم على مبدأ الاعتماد على الذات، تتضمن مجموعة من الإجراءات على النحو التالي:
الأول: استعادة كل الودائع الأردنية من الخارج إلى البنك المركزي الأردني بصفتها ودائع من العملة الصعبة؛ لضمان الاستقرار النقدي والمالي.
الثاني: قيام كل الموسرين في الأردن الذين أثروا في أيام اليسرة، برد الجميل للوطن في أيام العسرة من خلال اشتراكهم في صندوق إنقاذ وطني لتمويل سداد الأقساط والفوائد السنوية للدين العام. أو قيامهم بشراء الدين الخارجي على الأقل (حيث شراء الديون الآجلة يتضمن خصومات تشجيعية كبيرة)، واعتباره هبة للوطن أو قرضا حسنا للحكومة لآجال طويلة جدا.
الثالث: قيام كل الموسرين بإنشاء مشاريع اقتصادية إنتاجية كبرى (صناعية وزراعية أساسا) تعتمد مبدأ (كثافة الأيدي العاملة) لاحتواء مشكلة البطالة، بحيث تقوم على استراتيجية تلبية الاحتياجات المحلية لتقليص الاستيراد.
الرابع: إلحاق ديوان المحاسبة بالسلطة القضائية، ومنحه استقلالية تامة، ومنح موظفيه صلاحيات الضابطة العدلية، ومنح رئيسه صلاحيات النائب العام؛ وذلك لتمكينه من محاربة الفساد.
الخامس: الضبط الصارم للمالية العامة بحيث لا يتم التعاطي بالمال العام إلا عبر الخزينة العامة.
وهذا غيض من فيض الخيار الوطني..
*دكتوراه تخطيط استراتيجي.