دورات لامحدودة لطلبة التوجيهي ، أيضاً وأيضا / فؤاد القضاة

دورات لامحدودة لطلبة التوجيهي ، أيضاً وأيضابداية أود ان أعرب عن سعادتي واعتزازي بهذا الكم من التفاعل الايجابي من جمهورنا الطيب على ما تم نشره سابقاً حول قرار منح طلبة التوجيهي دورات مفتوحة لامتحان الثانوية العامة ، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أهمية الموضوع بالنسبة لقطاع عريض من المواطنين . وسواء كان تفاعلكم بالتأييد او بالمعارضة لما ذهبت اليه في منشوري المتواضع فإن في اختلاف آرائنا إثراء لموضوع النقاش وفائدة عظيمة . وهذا ما يقودني لأؤكد للإخوة والأخوات الذين أخذوا علينا انتقادنا لقرار الدورات اللامحدودة لطلبة التوجيهي اننا انما نستهدف بالدرجة الاولى طرح “الرأي الآخر” أمام صانع القرار من ناحية وأمام المواطن من ناحية أخرى لإيماننا العميق انه بهذا التنوع فقط يمكن ان يكون القرار متوازنا ، مستبصراً ومستنيراً ويحقق المصلحة العامة بكافة جوانبها .
هناك حقيقة : ان لدينا مشكلة عميقة في نوعية وملاءمة مخرجات العملية التعليمية بشكل عام وفي نسب الرسوب بشكل خاص .
لكن قرار الدورات المفتوحة لا يمثل أي علاج لهذه المشكلة ، المطلوب هو العودة لأصل المشكلة ومعالجتها بشكل شامل ومن الجذور .
وصدقوني كان سيسعدني أن أكون أول المصفقين للقرار المذكور لو :
◾ (لو) كانت نسب “الرسوب” لأول مرة والرسوب “المتكرر” ضمن الحدود المقبولة والمنطقية . حيث أحيلكم هنا لمطالعة احصائيات النجاح والرسوب للسنوات الأخيرة في المدارس الحكومية وحتى في المدارس الخاصة (والعم غوغل يمكن ان يقدم المساعدة في هذا المجال)
◾ (لو) كنا في عالم لا يتم فيه تفصيل القوانين ذات العلاقة بالعملية التعليمية بالمقاس ووفقاً لاعتبار واحد فقط : ” ملء جيوب مستثمري التعليم بالأموال والأرباح ” (وعلى رأسهم الحكومة بذاتها !!) .. فمن اختراع “الموازي” الى اختراع “التجسير” الى منح دبلوم جامعي للراسبين في عدد من التخصصات، وأخيرا وليس آخراً : الغاء الناجح راسب !! جميعها قرارات تشي بوضوح أن آخر أهدافها تحقيق غايات مثل جودة أو نزاهة أو عدالة فرص التعليم ، ناهيك عن مجانيته (هاي الأخيرة الله يرحمها من زمااان) ، بل ان القرارات المذكورة تقف من هذه المبادئ السامية موقف النقيض ، والله وحده يعلم ماذا سيخترعون لنا بعد !
◾ (ولو) كانت نسب البطالة والبطالة المقنعة في صفوف من يحملون شهادات اكاديمية ومن لا يحملونها في حدود المعقول ، أما حين تبلغ النسبة (المعترف بها رسمياً) 18,2% خلال الربع الأول من العام الحالي 2017 (وهي نسبة لا تشمل البطالة المقنّعة) فلا يمكن أن نعدها نسبة طبيعية بأي حال من الأحوال مما يدل بشكل صارخ على وجود خلل جسيم في المنظومة “التعليمية التشغيلية” ووجود شرخ عميق بين شقيها يؤكد ان كلاهما يغرد على انفراد بينما يفترض أن يشكلا معاً جوقة منسجمة وآلة واحدة ينبغي أن تعمل كل تروسها بتوافق وانسجام ، أما إن تعطل أي ترس منها فإن ذلك بالضرورة سيؤدي إلى تعطل بقية الأجزاء وخروجها عن النسق المطلوب .
◾ (ولو) جاء القرار في ظروف “طبيعية” ، كأن يكون لدينا نظام (تعليمي تشغيلي) عصري مترابط ومتوازن ويعمل بانسجام كوحدة واحدة ، نظام يهتم ويراعي الإمكانيات الفردية للطالب وقدراته ومواهبه وميوله في مراحل مبكرة يبدأ منها إرشاده وتوعيته وتنمية طاقاته بما يتوافق مع قدراته ومواهبه . لكن ، ولنكن صريحين يا جماعة ، ألا توافقونني الرأي ان الأغلبية العظمى من طلابنا وبالأخص الفرعين العلمي والأدبي يظلون حتى نهاية مرحلة التوجيهي من دون أدنى فكرة عن معالم الطريق الذي سيسلكونه في مرحلة ما بعد التوجيهي ؟!!!
◾ ان مقياس فعالية استغلال الطاقات البشرية بالشكل المناسب والأمثل يستلزم قياس حجم الانتاج وجودته بالمقارنة مع (الزمن) الذي استغرقه هذا الانتاج وكلفته .
ولا نعتقد ان تشجيع الطلاب على “التبليط” في مرحلة التوجيهي يمكن ان ينسجم مع أي من هذه المعايير ولا نرى كيف يمكن ان يساعد في تطوير مخرجات العملية التعليمية .
◾ هذا ما يدفعني لتصنيف قرار “الدورات المفتوحة” بأنه قرار “شعبوي” بامتياز . فالقرار يراعي المصالح “الآنية” لقطاع من المواطنين (وأنا شخصياً في مقدمتهم) ، لا شك في ذلك . لكن ، هل يراعي المصلحة “الاستراتيجية ” للوطن في تنمية الموارد البشرية وتفعيل واستغلال طاقات أبنائه واستثمارها بالشكل الأمثل وبناء أجيال مسلحة بالتعليم والتأهيل “المناسب” ؟ في ذلك شك كثير . وما لم يقترن القرار بخطة إنقاذ شاملة للواقع التعليمي فإنه سيظل من وجهة نظرنا شعبوياً .
◾ ما نرغب برؤيته فعلاً هو اقرار خطة “تعليمية تشغيلية” شاملة وفعالة تعنى بتنظيم كافة مراحل وعناصر ومخرجات العملية التعليمية وبالتدريج من المراحل المبكرة (الابتدائية) مروراً بالمرحلة الثانوية والجامعية انتهاء برفد سوق العمل بعناصر مؤهلة وذات كفاءة تناسب احتياجات هذا السوق .
◾ نعم ، لدينا مشكلة عميقة ونظام تعليمي متهالك بأكمله ، ولترميمه فإننا بحاجة لما هو أبعد بكثير من (الدورات المفتوحة) ، وكلما أدركنا ذلك في وقت أسرع كلما كان ذلك أفضل بالتأكيد .
لا نطالب بنظام تعليمي متطور وعالمي بمستوى سنغافورة مثلاً فذلك سيكون بالتأكيد ضرباً من ضروب الخيال غير العلمي ، وإن كان من حقنا أن نطمح لذلك ، لكننا نطالب على الأقل بالعودة لاحتلال مركز متقدم على مستوى الدول العربية كما كنا في يوم من الأيام .
◾ ومختصر القول باللغة البسيطة : لا بد أن نعترف أن لدينا مشكلة مزمنة وملموسة مع “الرسوب” (وإلا لما وجدنا هذا العدد من المعترضين على موقفي من القرار) وهي مشكلة كانت وستظل قائمة حتى بعد قرار إلغاء الناجح راسب . غير أن التعامل المنطقي مع هذه المشكلة (الرسوب) يكون بتشخيص أسباب الرسوب ومعالجة الممكن منها بشكل جذري . أما فكرة العدد المفتوح من الدورات فلا تعدو كونها إبرة أخرى من المخدر يراد منها تنويم المريض ، لكن هذا الوطن نام خلال السنوات الماضية بما يكفي وزيادة .. وزيادة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى