
إلى وزير التربية والتعليم
الاستاذ عوض الصرايرة
رئيس قسم الإشراف في مديرية تربية قصبة الكرك.
أعترف لكم أن مزاجي في الكتابة يشبه إلى حد كبير صياد السمك الذي يجلس ساعات طويلة وربما أيام كي يصطاد سمكة صغيرة لعلها تسد رمق جوعه .
لا أنكر ذلك فأنا أيضا أبحث عن التفاصيل الصغيرة على أمل أن أكتشف عظمة ما تحتوية تلك التفاصيل ..
وأكثر ما يفتح شهيتي الوجدانية هي تلك الشخصيات التي تشبهني ..
تتشابه معي في حزنها وفرحها، فقرها وغناها أحلامها وآمالها وحتى في ملامحها …
الأستاذ عوض الصرايرة هو رئيس قسم الإشراف في مديرية تربية الكرك ، قبل ثلاثة أيام لملم أوراقه وأشواقه ثم ودع زملاءه بابتسامة ودمعة بعد خدمة دامت أكثر من ثلاثين عاما ..
هذه هي سنة الحياة فالتقاعد هو مصيرنا وكأننا نعلن مواسم الراحة والاستجمام في مملكة الحب والشقاء.
هل تتسع لغتنا العربية بكل ما تحمل من معان وبلاغة وانزياحات لغوية وصور فنية لنكتب كلمة شكر للأستاذ عوض الصرايرة ؟!!
ذات وجع سافر الأستاذ عوض إلى دولة الإمارات يحمل في يده حقيبة وفي قلبة وطنا والكثير من الأحلام ..
غادر وترك خلفه أم وزوج وأطفال …
كحال جميع المسافرين يغادرون بابتسامة وقلوبهم تبكي .
في بلاد الغربة ، عمل الأستاذ عوض مشرفا تربويا في إمارة أبو ظبي..وما هي إلا أشهر قليلة حتى استطاع أن يلفت نظر جميع المسؤولين والقيادين التربوين فقد كان مثالا للمعلم الأردني الشهم الأصيل صاحب عزة نفس وكرامة يعمل بجد ويحترم عمله بشكل غير مسبوق .
لم يكن ذلك مهما بقدر الأثر الذي تركه الأستاذ عوض مشرف الكيمياء في نفوس الطلبة والمعلمين وحقق نجاحا باهرا في تعديل سلوك المعلمين في استخدام استراتيجيات التدريس .
كل ذلك كان بعد أن حاز على ثقتهم كمدرب كمشرف تربوي.
ذات صباح جاف ممتلئ بالأشواق للوطن، قام أحد المسؤولين بإبلاغ الأستاذ عوض بانه سيكون أحد المكرمين في احتفال الإمارة..
في بلاد الاغتراب ليس هذا كل ما تحتاجه فالحنين للوطن والأهل شعور يطغى على كل فرح.
على أية حال جاء الموعد ببطء شديد كما هي أيام الغربة ،
دخل الأستاذ عوض إلى المسرح كغيره من الداخلين غير أنه لم يلتفت اليه أحد سوى شخص غير مهم أشار إليه بالانضمام إلى زملائه.
اكتمل الحضور غير أن هناك مقعد شاغر لم يجلس عليه أحد ، ظن الجميع أنه ربما سيكون لضيف مهم للغاية.
بدأ الحفل دون حضور الضيف المنتظر ..
بدأ برتابة الكلمات المقتضبة وعريف الحفل كان ينادي على بعض الأسماء من المكرمين ..
لم يكن الأمر حماسيا ، هو بعض التصفيق من هنا وهناك .
كان الأستاذ عوض يظن أن اسمه قد سقط سهوا ، على أية حال هو مغترب والتكريم لا يعني له شيئا.
راح عريف الحفل يتفحص الوجوه ، ثم أضاف
أيها الحفل الكريم لعلكم تتساءلون عن المقعد الشاغر في الصف الأول…..
ولعلمكم كنتم تتوقعون حضور شخصية سياسية مهمه جدا ..
ولكن هذا المقعد مخصص لأحد المكرمين الذي قدم خدمات تعليمية جليلة للدولة وللوطن ..
وراح عريف الحفل يتحدث بإسهاب كبير حتى أشعل شعلة الفضول لدى جميع الحضور ….
تقدم مسؤول التعليم في الإمارة إلى المنصة في حين كان عريف الحفل ينادي باسم( الأستاذ عوض الصرايرة)…
صعد الأستاذ عوض إلى المسرح ليستلم الدرع وسط أمواج عالية من التصفيق والتشجيع والاعتزاز ..
وعندما هم بالمغادرة استأذنه الرجل ليبقى قليلا..
وقف مسؤول التعليم أمام المنصه..
وقال سائلا : كيف لنا أن نشكرك يا استاذ عوض؟!.
لقد اجتهدنا ، ولنا أجران
تعالت أصوات أغنية وسط إضاءة مسرحية مدروسة ..
ثم تعالت أصوات التصفيق … في تلك الأثناء كانت والدة الأستاذ عوض وزوجته تسيران وسط المقاعد باتجاه المسرح …
ارتسمت الدهشة بمشاعر الفرح فكيف لقلبه أن يحتمل كل هذا الفرح دفعة واحدة …
غاب المسرح بمن فيه ولم يبقى أمامه سوى أم عوض حين ألقى برأسه على صدرها وعانقها بكل ما يحمل من حنان ..
هنا كانت مطفأة أشواقة ولو لبعض حين.
كغيري من زملاء الأستاذ عوض نستذكر هذه القصة ونحن نفكر كيف للوطن أن يكرم الأستاذ عوض بعد هذا التكريم الإنساني الذي حظي به في بلاد الغربة والأشواق؟!
يغادرنا الأستاذ عوض بعد أن ترك فينا الكثير من الحب والاحترام وتعلمنا على يدية كيف نعشق الأوطان بلا أسباب ولا شكر …
يغادر مكتبة وستبكية جدران الغرفة وآثاثها، وستبكية أجريت المدارس وصوت الطلبة في ( كرادورات) المدارس .
وستبكية كتب الكيمياء في غرف المعلمين…
إلى أستاذنا الفاضل عوض الصرايرة ..
دعني أستعيد ملامحي في ابتسامتك ولون أحلامك وأمانيك..
والسلام لقلبك ألف سلام.
نسخة / لوزير التربية.
نسخه/ مديرة التربية في قصبة الكرك اروى الضمور