
#مدرسة_جوزا_الثانوية للبنين ….. لمن لا يعلم أيها السادة !!!!!!
م. قدر تيسير الضلاعين
بنفس المظهر المعتاد الذي كساها لأكثر من نصف قرن ، وبتلك الصورة البهية الجميلة ، التي لا تخفى على من ارتادوها وتخرجوا منها وتربوا في جنباتها ، تلك الأواح الاسمنتية الأبهى من زهور ستوكهولم ، التي اتكأ عليها أعلام كثر ، ربما ليس اعلاما على مستوى الحومات الفاشية المتعاقبة على إدارة الأردن القوي العزيز ، كنت أحد طلاب هذه المدرسة الزاهية ، يحضرني كثيرا من ذكرياتها وقليلا من معاناتها ، والتي بعد أن تجولت في كثير من دول العالم –المتقدم- أدركت بل وأيقنت أنها من أزخر المدارس العالمية نسبيا، ولست أظلم آينشتاين إن ادعيت ذلك .
من هذه المدرسة الجميلة تخرج عشرات الحفاظ لكتاب الله تعالى، مئات المجازين في تلاوة القرآن الكريم، لا زلت أذكر أنه بعد الحصة الخامسة يصطف الطلبة والمعلمون لأداء صلاة الظهر جماعة تحت أعين السماء، ….. الطلبة وجلون من أصابعهم التي يظهر معظمها من ثقوب جواربهم (مسود أرجلهم)، وبعض احذيتهم كانت من غير أرضية فقط مغطاة من الأعلى، والمعلمون بكل تجهيزاتهم، بدءا من العصى والسوط ودفتر التحضير وصفارة الملعب، كل حسب طول ذراعه ومد يده، والطلبة …. الطلبة هنا مكمن الحديث والحكاية، كانت المدرسة بيوتهم ومساجدهم، والبيوت مدارسهم بمزيج رائع من كل نظريات التربية الحديثة التي لن يجدوا لها مثيلا، كان المعلمون فيها أيها السادة آباءً إباءً، كانوا شيوخ دين شيوخ قبيلة، دهاة عصر أدباء فنانون محترفون ، أعطوا كل فتىً منا لقبة العلمي منذ الصغر.
تخرج من هذه الوادعة الجميلة مئات من الأطباء والمهندسين والصيادلة والقضاة والمحامين ، نعم من ذينك الجناحين الستينيين من تلك الغرف الأربعة عشر ، عشرة منها صفية وأربعة منها للاستخدام المشترك ، غرفة المعلمين كانت غرفة الصف الأول الثانوي العلمي ، وإن كان في المدرسة زوّارا من مديرية التربية ، كنا لا نرضى بغير غرفة الإدارة في ذلك اليوم صفّا لنا ، كنا نشارك المعلمين فيها غرفتهم ، اذ كانت طاولة الأستاذ الدكتور محمد علي طاولتي ، ذلك القادم من عمان بلهجته المدنية الجميلة ، ننتظر حصته كأننا ننظر إلى تلفاز ملون ، رأينا الجلّ على شعره ممزوجا بغبار الطباشير كأننا نقابل كائنا من كوكب آخر ، واعوجاج سلامى أصابعه من أثر الكتابة على السبورة أصبح جزءا من جينات معلمينا ، نعم أبدلت الطباشير جيناتهم ، كلهم كانوا أنيقين رائعين ، كانوا من أجلنا، وهمّهم كان ان نكون لنبقى ويفرحون ، يومها كانت الدروس الخصوصية عيباً على الطالب والمعلم.
أيها السادة ، بلغة الأرقام والإنجاز أبدع معلمونا على أيدينا ، وبلغة الصورة أرى كل ركن من مدرسة جوزا يضحك مبتهجا ، وستبقين يا مدرسة الإنجاز وعداً ضاحكة مستبشرة ، كانت هذه المدرسة وستبقى ثورة الشعوب الكادحة ، نعم ولست أخشى من قول ذلك ، ثورة الحق في وجه الباطل ، منها اعلام في السياسة يوم أن كان يحرُم على الأردني الكلام ، أعلام في شتى مناحي العلم ، وفي مختلف دول العالم ، وقدّر الله لي أن التقيت بعضا منهم ، يتشاركون نفس الذكريات ، كان يومهم يبدأ بصلاة الفجر ، فالأًولى بعد الصلاة الماشية والأغنام ورعاية الشجر والمدر ، وليس لك من عذر إن قصرت في الدراسة ، كلنا كان مطلوب منّا أن نكون أوائل في الصفوف ، ولا تعفينا طفولتنا من مسؤولية الكبار ، نعم نرعى ونحصد ونتعلم .
أما تلك الفرصة (الفسحة) المدرسية ففيها كلام كثير، يفوق التقاطعات اللفظية ونظم الحروف الأبجدية، كان زير ماء أم عطوي جزاها الله عنّا خيرا هو مشرب مائنا، وقطين (التين المجفف) وزبيب أم عيسى مصدر الطاقة السكرية لنا، وشراك أم بسام لنا مقصفا منزليا ، فوالله ما استأذنّا أمّا منهن يوما لشربة ماء ، ولم أذكر ان أم عطوي أوصدت بابها وقت الفرصة أو المغادرة (الترويحة).
أما الطبيب المجاور د. عبد الحافظ كان هو الشيء العاجي الجميل في أنظارنا، نراه أنيقا معقّما مخبرياً نخافه ونحبه ، يمتلك كل الأدوات الخيالية لنشفى أو نعاقب ، كان طبيب المدرسة من غير أن يكون ، تخرج من ومن طبعه الوفاء لها ، كانت له ابتسامة الطبيب المشفق ، جعلت منه شخصية زرعت فينا ان نحب أن نكون يوما ما عبد الحافظ.
أيها السادة ، أعجز عن وصف مدرسة جوزا الصامتة الصامدة ، من نفس الصورة أيضا وعلى عكس معظم مدارس أبناء الذوات ، ساحة المدرسة فقط للعبة الطائرة ، قل لي لماذا ؟؟؟ ، الملعب الاسمنتي لا يكفي الا لها ، الإصابات طفيفة ، واللاحوقي ( أطفال جمع الكرات) أصلا هي كرة واحدة ، لا يستنزفون جهودهم للركض وراءها في جغرافيا صعبة مرهقة .
هذا هو اليوم الخامس على التوالي ، لم يدخلها أحد ، مدرسة جوزا لم يدخلها أحد ، مدرسة جوزا لم تقدم إذاعة صباحية ولم يتلو أحد طلابها آي من الذكر الحكيم ، لم تقم فيها صلاة الظهر أيها السادة ، زير ام عطوي ما زال ممتلئا ، وقطين ام عودة أحرقته السنين ، لم يدخلها أحد ، لم يردد الطلاب نشيد العلم ، لم يصرخوا أن الأردن أكبر من كل العابثين ، لم يشدوا أحزمة العلم بعد، طلبتها ممتنعون عن دخول المدرسة ، وأساتذتها يقدمون نقلا جماعيا ، أيها الموظف الحكومي المسمى بالوزير المحترم ، اسمح لي أن آمرك بحكم القانون والدستور ، أن تغطي هذه المدرسة يوما واحدا وتنتدب نفسك مديراً لمدرسة جوزا الثانوية للبنين ، بدون ديباجة الوزارة ، وأرجو أن تكون الرياح شرقية معتدلة السرعة ، لتعلم أن الطفل لا بد ان يمتلك محركا بقوة 10 حصان ليدخل بوابة المدرسة ، واحذر على بنطالك المستورد من ذلك الشيك المسنن الذي بناه أبو علاء استاذنا الجليل محمد الجسيرواي كعمل لا منهجي في حصة الرياضة ، حتما ستكون وجبة الإفطار الفعلية رملا مؤابيا زجته الرياح من مغاريب المزار.
أيها الوزير الدّوار ، مدرسة جوزا ثورة عارمة ، مدرسة جوزا تاج وقار وحكمة ، مدرسة جوزا لم تعرف شيئا من رفاهية أبناءك وأحفادك ، مدرسة جوزا لم تسجل مطلوبا خطيرا ، او فاسدا متسلقا ، هذا نبع العطاء من أهلها ، هي جامعة الرشيد لدينا ، أيها الوزير ، تقدم على مدرسة جوزا كغيرك من المعلمين والمعلمات ، انتظر عند عمارة البوشي (خذ مكافأة جزيلة واركب بباص المعلمات)، اركب بباص أبو عبدالله فهو متسامح لأن لا يأخذ أجرة لمدة ثلاثة أشهرمن التعيينات الجديدة ، وانتظره مساء عند العودة ، صدقني لا تحتاج مدرسة جوزا لبصمة حضور وانصراف ، فباص أبو عبدالله وحده ضابط الإيقاع في الدوام الرسمي.
أيها الوزير ، مطلب الأهالي والطلبة والمعلين واضح ….. الدكتور يزن التخاينة ، جَبَلٌ جُبِلَ من قلب هذه الأحداث ، فهم الجغرافيا والتاريخ ، وأبدع في الإدارة ، لا تحرموا مدرسة جوزا من ابداعه ، ولا تحرموا طلابه الذي أبدع كسابقيه معهم ، عايَن الاضرار ورسم خطة للتقدم مع أحبابه وطلابه ، يدين لمدرسة جوزا بأن كان أحد طلابها.
أيها الوزير تعسفا كان أم تصفية حساب ، المتضرر مدرسة جوزا بكل كوادرها، فلن يدخل مدرسة جوزا إلاك أو يزن مديرا لها ، بشرط أن تعيش معهم كما يعيش يزن .
من مطار أوكلاند الدولي .
