على الإشارة الضوئية الحمراء .. / ساجدة الكايد

على الإشارة الضوئية الحمراء..
طفلٌ صغيرٌ بعمر الطفل الذي أُقِلُّه معي و يخصُّني.. يتنقّل بين السيارات التي تنتظر الانطلاق
– يا عمو ساعدني.. الله يخليك والله ماني كزّاب
أغلقتُ النافذة كما أفعل دوماً فرحَلَ بعيداً يلاحقُ ما تبقى من سيارت قبل أن يخسر منها الكثير..

عند تحوُّل الإشارة إلى خضراء تعجَّل أحدهم إعطاءه المال لكي يسير من قلب الزحام فرماها له على الأرض…

حاول الصغير التقاطها فانطلقت زوامير السيارات صارخةً في وجهه وفي جسده الصغير كله أن يبتعد.. ركض الفتى نحو الرصيف الذي ينتصف الطريق .. و عينه على الدراهم المرمية أرضاً ينتظر توقفاً آخر عله يلتقطها من بين براثن السيارات..
راقبت ذلك كله بقلبٍ كليم و حزنٍ عظيم حتى أخرجني من ذلك صغيري :
– بابا شو كان بده؟
– بده مساعدة
– كيف مساعدة؟ كيف بنقدر نساعده ؟

كتمتُ دمعي و وجه الصغير يلاحقني ..

مقالات ذات صلة

كيف لطفلٍ أخاف عليه أن يغادر باب المنزل أن يكون في الشارع بين السيارات يسأل الناس ذهاباً و إياباً ..
كيف لطفلٍ لا يغيب عن عينيّ إلا ما ندر أن يترك المنزل لساعاتٍ و ساعات لا بحثاً عن لعبة.. أو رفقة.. بل عن لقمة عيش تعيله و أهله في بلاد ما عرف فيها إلا أنه غريب.. غريب اللهجة والأصل والجنسية..
كيف لطفلٍ أبحث له عن أفضل المدارس والتعليم والألعاب أن يكون همه دفئاً من برد.. و طعاماً لجوع .. وماءً لظمأ ..
كيف لطفلٍ أن يكبر أعواماً و أعواماً عن نظيره بفعل التشريد و القتل و التجويع..

يكاد عمره لا يتجاوز عمر الثورة.. أي أنه لا يعلم من الوطن إلا الحرب.. و تكاد عيناه لا ترى إلا السؤال.. و يكاد صوته أن يقتلني كلما تردد في داخلي ” عمو ساعدني.. الله يخليك والله ماني كزاب”
ولست أدري.. أأنا المخطئ إذ لم أساعده .. أم أن من ساعده مخطئٌ برمي النقود بين السيارات.. أم أن أهله مخطؤون في إرساله نحو ذاك الطريق..
ويبدو لي أن الجميع مخطئ.. الجميع.. إلا الطفل.. الطفل الذي يحاول أن يعيش.. و الطفل الذي يحاول أن يساعد..
اللهم فرج عنهم.. و ارحمنا

#قلم_بعثرات
#ساجدة_الكايد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى