
تحية للوزير عمر الرزاز
هناك مثل عند اهل الشام يقول “شو جاب طز لمرحبا”، وهناك مثل قديم شبيه يقول “شتان بين الثرى والثريا”. يتذكر المرء هذه الامثلة عندما يرى الفرق بين الطريقة التي يتصرف بها وزير التربية والتعليم، الانسان، الدكتور عمر الرزاز، وبين من سبقه في هذه الوزارة. فقد بعث برسالة الى جميع طلبة التوجيهي، الذين لم يستوفوا متطلبات النجاح قال فيها: “أبنائي الطلبة الذين لم يجتازوا الامتحان، نريد وعدا منكم ان لا تستسلموا لليأس، فالنجاح في الامتحان شىء والنجاح في الحياة شىء آخر. منكم الصبر والجلد والمثابرة وعدم الاستسلام او اليأس، ومنا عدد مفتوح من الدورات وتطوير الامتحان ليقيس ميولكم ومهاراتكم وقدراتكم. والله الموفق”
الروح الايجابية والإخلاص في الحكم
هذه الروح الايجابية والإخلاص، التي تبعث الأمل في نفوس الطلاب، ونفوس الأهالي، لم يعتد عليها الاردنيون من قبل، لا من وزير تربية ولا من أي وزير غيره. فمن سبقه في ذات الوزارة كانوا يتبعون اسلوب العجرفة والتعالي، و”تفشيل” الطلاب، على مدى أجيال سبقت، بحيث وصلت نسبة النجاح في امتحان التوجيهي، في احدى السنوات، الى 37%، بمعنى ان الوزير، انذاك، كان يدمغ جبين كل طالب لم ينجح بدمغة “فاشل”، ثم يترك هذا الشاب اليافع لمصيره، يهيم على وجه في الدنيا، ليكون نهبا لعالم الاجرام، أو عالم الارهاب، أو عالم التعاطي، أو الانحراف، أو لأي من الأمراض الاجتماعية. حيث كان الوزير، من قبل، يترك وراء ظهره 60 الى 70 الف طالب وطالبة، من خيرة طاقات المجتمع، لهذا المصير، كل عام، بعد ان يكون قد دمغهم بالفشل للابد، دون ان ترمش له عين، أو يؤنبه ضمير، أو أن يلحظ المصائب التي تركها خلفه. فكان لا يلتفت أصلا لا وراءه ولا أمامه، ولا يفكر بهذه الطاقات المهدورة من الشباب والشابات. يحطم أحلامهم، ويقضي على مستقبلهم، ويدمر آمالهم.
الاصلاح الحقيقي
أما اليوم، فان حركة إصلاح التعليم، التي يقودها الوزير الانسان، عمر الرزاز، يبدو انها حركة اصلاح حقيقية، يرى فيها الناس أفعالا، لا أقوالا فقط. فقد ارتفعت نسبة النجاح في امتحان التوجيهي، بعد مجىء الرزاز، من 40%، الى 55% في دورة واحدة فقط. فالعملية التعليمية عملية معقدة وتحتاج الى صاحب فكر نير ليقودها، وليضع لها أسس النجاح. فمن هو يا تُرى عمر الرزاز، الذي يخطط لـ “مستقبل التعليم” في الاردن؟
ابن منيف الرزاز
كثيرون لا يعرفون خلفية الدكتور عمر، والذي يطلع على سيرته الذانية يخلص، دون أدنى شك، إلى نتيجة مفادها أن مؤهلاته العلمية، والمناصب التي تقلدها، داخليا وخارجيا، وسعة الأفق التي يتمتع بها، وخلقه الرفيع، تؤهله لقيادة العملية المعقدة في اصلاح التعليم. أضف الى ذلك خلفيته العائلية، التي لا بد أن لها أبلغ الأثر في مسيرته الناجحة. فوالده هو الدكتور منيف الرزاز، السياسي العربي المعروف، الذي وصل الى قمة هرم السلطة، في كل من سوريا والعراق. حيث كان أميناً عاماً لحزب البعث فرع سوريا، سنة 1965 – 1967. كما كان أمينا عاما مساعدا لحزب البعث فرع العراق، 1977-1979. ولقد عرف الناس الطبيب منيف الرزاز من خلال عيادته، في شارع بسمان، وسط عمان، التي كان يعالج فيها الفقراء مجانا ودون مقابل.
تحترمه حتى لو اختلفت معه فكريا
قابلت شخصيا الدكتور منيف الرزاز، في بداية عملي الصحفي، منتصف السبيعنات، في احدى المؤتمرات في امريكا، وأردت أن أسجل معه مقابلة لإذاعة الجالية العربية، في مدينة شيكاغو. وأخذت أوجه له الاسئلة، السياسية طبعا. لم يعجيه أحد تلك الاسئلة، وشعر أن الاجابة عليه ربما توقعه في الحرج، فصمت قليلا، ثم وضع يده على المايكروفون، وطلب مني أن أُوقف جهاز التسجيل، ففعلت. وفي منتهى الأدب، شرح لي لماذا لا يريد ان يجيب على ذلك السؤال. تفهمت وجهة نظره وموقفه، واكملنا المقابلة. كان المرء يحترم منيف الرزاز نظرا لأدبه وشخصيته، حتى لو اختلف معه فكريا أو سياسيا.
شقيق مؤنس الرزاز
أما الشقيق الأكبر للدكتور عمر، فهو مؤنس الرزاز، الروائي، والكاتب الصحفي. كنت اتابع زاويته اليومية “ضوء” في جريدة “الرأي”، دون أن أعرفه شخصيا. وفي ذات سفرة، من امستردام الى عمان، في التسعينات، ذهبت الى مقعدي بالطائرة وإذا بمؤنس الرزاز جالسا في المقعد المجاور. تعارفنا، وأخذنا نتجاذب أطرف الحديث. وما أتذكره من هذا الموقف أن حديثنا لم ينقطع، على مدى 5 ساعات، استغرقتها الرحلة الى عمان. وأتذكر أيضا أنني استمتعت كثيرا بالحديث مع انسان صاحب ثقافة رفيعة المستوى. ولم التقي به بعد ذلك الى ان توفاه الله، بعد عدة سنوات.
السيدة لمعة بسيسو
ولا بد من الاشارة الى والدة مؤنس وعمر الرزاز السيدة لمعة بسيسو، رفيقة درب والدهما، والمرأة المثقفة التي كانت تشارك وتكتب في المجلات، وتكتب الشعر والقصائد لزوجها المناضل منيف الرزاز، خلال رحلته الطويلة بين المنافي والسجون. ووالدها هو القاضي والحقوقي والسياسي صالح بسيسو، مؤسس حزب “أنصار الحق”، عام 1928، مع علي خلقي الشراري وحسين الطراونة، وغيرهما، وهو الحزب الذي تمخض عنه الميثاق الوطني الأول.
النشأة في حضن اسرة عربية قومية
ربما يتسائل القارىء: ما علاقة هذا كله بعملية الاصلاح التربوي، التي يقوم بها عمر، ابن منيف الرزاز، ولمعة بسيسو، وشقيق مؤنس، وحفيد صالح بسيسو؟ والجواب بسيط وهو أن هذا الوزير الانسان، الذي لم أعرفه من قبل، ولم التقيه، نشأ في حضن أسرة قومية عربية، مثقفة، متعلمة، وجاء من بيت فيه السياسة، والوطنية، والثقافة، والعلم، والأدب، والعطاء. فهذه هي البيئة التي نشأ وترعرع فيها وزير التربية عمر الرزاز. وكما كان يفعل والده، الطبيب منيف الرزاز، بفتح عيادته لفقراء عمان، ها هو ابنه عمر يفتح قلبه الكبير، وفكره المستنير، وعقله النير، لشباب وصبابا عمان، يخاطبهم، ليلا نهارا، ويعطيهم بارقة من الأمل بأن وزارة التربية لن تدمغهم، بعد اليوم، “بالفشل”، بل ستوفر لهم كل أسباب النجاح، وتُبقي الفرص مفتوحة أمامهم، حتى تضمن نجاحهم، ليجتازوا هذه المرحلة من حياتهم، وينطلقوا الى الآفاق التي ير
Zaid Daoud
وينطلقوا الى الآفاق التي يريدونها لانفسهم، وليحققوا الأحلام التي تراودهم.
فسحة أمل
في الصيف الماضي، قبل عام من الان، نشرت مقالا ذكرت فيه ان التوجيهي امتحان فاشل استخدمه الاوروبيون، خلال عصور تخلفهم الوسطى من أجل الفرز الطبقي، وانه نظام من مخلفات الاستعمار، وأنه لا الدول المتقدمة علميا في العالم، ولا الدول التي تريد التقدم، تستخدم نظاما تعليميا كهذا. وتحدثت عن العائلات التي تضطر أن تهاجر الى بلد عربي آخر، حتى يكمل اولادها مرحلة الدراسة الثانوية هناك، ثم يعودون للالتحاق بالجامعات هنا. ومن بين هؤلاء ذكرت قصة التوأمين محمد ويوسف. واليوم، وبعد عام مضى من الهجرة المؤقتة، عادا الى الاردن، يحمل كل منهما شهادة توجيهي بمعدل اكثر من 90%، يؤهلهما لتخصص الهندسة المفضل لديهما. فما يقوم به عمر الرزاز أعطى للعائلات فسحة من الأمل للاطمئنان على مستقبل تعليم أبناءهم.
الخلاصة: حلم يتحقق
خلاصة القول إذن، أن الناس كانت تتمنى وتحلم أن يتم “إسقاط التوجيهي”، حتى يسقط معه التخلف في نظام التعليم. وها هو الحلم على وشك ان يتحقق، على يد الوزير عمر الرزاز. فما يقوم به من خطوات ستنقلنا من حالة الجهل والتخلف والتأخر وضيق الأفق، التي تلازم التعليم في بلادنا، إلى حالة من المعرفة والتقدم والتطور والتحضر وسعة الأفق، كي تعود بلادنا كلها منارة للعلم، كما كانت عبر تاريخها. لم أعتد، من قبل، أن أمدح أحد، وزيرا كان أم غير ذلك، لكنني أرى أن من الواجب توجيه كلمة شكر وتحية للدكتور عمر الرزاز، فهو وزير عز نظيره. فألف تحية للوزير الانسان.
daoud@shorouq.com