هل فلاديمير بوتين مجنون أو مريض نفسيًا؟ علماء النفس يجيبون

سواليف

مع بداية #الحرب #الروسية على #أوكرانيا، خرج العديد من الناشطين الأوروبيين والأمريكيين في فيديوهات عدّة يوجّهون خطابات استعطافية للرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين، كما لو أنّه بحاجة للحصول على اهتمام عاطفي أو تأكيد شعوري لمدى أهمّيته في هذا العالَم من خلال إقدامه على الحرب، ورغبته العميقة بالحصول على ثناء الآخرين أو إبهارهم.

أحد أبرز هذه الخطابات الفيديو الذي نشرته الممثّلة الأمريكية “أنالين ماكورد” على حسابها في تويتر، والذي تعتذر فيه للرئيس الروسيّ لعدم حصوله على طفولة آمنة، وعلى حرمانه العاطفي، وأنّ ما قد مرّ به من ظروف نفسية في طفولته هي لا شك ظروف صعبة، وأنّها لو كانت أمّه؛ فهي بالتأكيد كانت ستمنحه العاطفة التي يحتاج إليها. يقودنا هذا الاتجاه في الحديث ناحية التفسير التالي: ما حدث لبوتين مُجرّد تجربة شخصية كان بالإمكان تفاديها.

هل فلاديمير بوتين #مجنون أو #مريض نفسيًا؟

هل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخص مجنون؟ هل يتصرّف بطريقة لا يُمكِن فهمها؟ هل حقًّا لا أحد يعرف ما يدور داخل عقله؟ وهل حقًّا كل هذه الحرب ناجمة عن اضطراب نفسي سببه طفولة غير آمنة قد تعرّض لها الرئيس الروسي في طفولته ونشأته؟ يشيع أن يتداول النّاس في الحروب والأزمات الكبرى عبارات من النوع الذي يُشير إلى أنّ ما يجري من أحداث ضخمة وفجائية تستعصي على الفهم هي أحداث تُعبّر عن جنون مُرتكبيها وعن استحالة فهمهم أو إيجاد أيّ علاقة منطقية وعقلانية لكلّ هذه التصرّفات العشوائية والفوضوية.

كما يشيع أن يستخدم الغربيون “الاضطراب النفسي” لتفسير أي حدث غير عقلاني في العالَم، لكنّ مشكلة هذا المنظور الذي يرى أنّ أي خلاف عسكري هو فعل غير عقلاني، هو أنّه يُلغي الخبرة البشرية والحقائق الاجتماعية والاقتصادية للصراع، وأنّ الحلّ العسكري هو خيار “عقلاني” في حال شعور أي أمّة بالتهديد على المستوى الرمزي أو الفعلي. لذلك فإنّ واحدًا من أكبر المغالطات التفسيرية اليوم؛ أن يفترض أي شخص أنّ الأسوياء نفسيًّا لا يُقدمون على افتعال الحروب، أو أنّ إقدام رئيس دولة باجتياح دولة ما عسكريًّا يجعله بالضرورة مريضًا نفسيًا، فبحسب علماء النفس ليس بالضرورة أن يُعبِّر السلوك السياسي “غير العقلاني” عن اضطراب نفسي محدّد لدى الشخص الذي اتّخذ القرار الخاطئ، إذ حتّى البشر الأسوياء والذين لا يستوفون المحكّات التشخيصية لأيّ اضطراب نفسي، يتّخذون في حياتهم قرارات خاطئة وغير عقلانية، كما يتّخذ البشر الأسوياء قرارات اقتصادية وإدارية خاطئة تُؤدّي إلى خسارات مالية أو عاطفية ضخمة.

لكن ما الفرق بين أن نقول إنّ الرئيس الفُلاني مجنون أو عاقل؟ حسنًا، ينبني على هذا بُعد عملي وتطبيقي، فالشخص المجنون يعني أنّنا لا نستطيع أن نفهمه ولا نستطيع أن نتوقّع خطواته القادمة، ومن ثَم لا جدوى من البحث أو من محاولة بذل جُهد معرفي وبحثي لفهم ما يحصل، فالشخص المجنون شخص لا يأخذ قراراته ضمن منطق سياسي أو اقتصادي ما، لكنّه يفعل الأشياء فحسب بكلّ عشوائية واعتباطية.

في علم النفس، فإن الافتراض الابتدائي لأي باحث أو ممارس هو أن يفترض السلامة النفسية للأشخاص ما لَم يُظهر مجموعة من الأعراض التشخيصية التي يُستَلزم منها وجود اضطراب نفسي. وعلى المستوى الإعلامي والسياسي، إذا لَم يَثبُت أنّ هناك تاريخًا مَرَضيًّا للقائد السياسي، أو إذا لم يُسجّل من قبل أنّه أُدخِل لوحدة الطبّ النفسي في أحد المستشفيات بدعوى الاضطراب النفسي ولم تظهر عليه أي نوبة نفسية من الهَوَس أو الاكتئاب أو الذهان، فهو غالبًا لا يُعاني من أيّ شيء، ما لَم يثبت العكس.

وفقا لما سبق، يمكن القول ومن منظور علماء النّفس، بأنّ ما يقوم به الرئيس الروسيّ اليوم هو أمر يمكن فهمه، ويمكن فهم تصرّفاته وقرارته ضمن إطار عقلاني وضمن نظريات علم نفس الشخصية التي ترى بأنّنا يمكن بالفعل التنبّؤ بسلوك فلاديمير بوتين بناءً على سمات شخصية واضحة، مثل: إصراره على إنفاذ قوّته، ورغبته الدائمة بالتوسّع لإزالة المخاطر المحدقة، وميله المتواصل لإخضاع الآخرين كي يُظهروا الاحترام والأدب له، بالإضافة إلى حذره الدائم وتوجّسه من إمكانية وجود عملاء أو خيانة محتملة تدور في القُرب. ويجدر التنويه إلى أنّ هذا كلّه يُفهَم في ظلّ الرؤى السياسية والاقتصادية للرئيس الروسيّ ولدولة روسيا ضمن سياق دولي وتنافس جيوسياسي محتد له جذور عميقة مبنية على تحقيق أكبر قدر من المصالح ودرء ما يمكن من أضرار آنية ومستقبلية، وليس بمعزل عن كل ذلك أو إقصائه.

6 سمات نفسية لشخصية فلاديمير بوتين

واحد من أبرز حقول علم النفس السياسي حقل يُدعَى بحقل السيرة النفسية للقادة والسياسيين، وهو حقل يجمع بين نماذج علم نفس الشخصية وبين السيرة الشخصية للمرء وتاريخ حياته بالإضافة إلى سلوكه المعاصر، وكيف أثّرت هذه الأبعاد على تشكيل شخصية القائد أو السياسي. وقد صيغت نظريات عدّة للشخصية، من بينها نظرية طوَّرَها الطبيب النفسي الأمريكي وعالم النفس “ثيودور ميلون”، والتي تناول فيها 34 بُعدًا من أبعاد الشخصية، سواء أكانت صفات سوية أم مَرَضية، وبحيث يتم فهم الشخصية من خلال الأبعاد التي يُسجِّل عليها المرء أعلى من 6 قيم، والتي ستكون مفتاحًا تفسيريًّا لفهم الإنسان الذي يخضع لهذا التحليل، وستساعد على التنبّؤ بسلوكه وتصرّفاته القادمة.

وقد نشر فريق بحثي بقيادة إميلمان وترنزلوك في عام 2017 نتائج إخضاع المعلومات الشخصية والنفسية للرئيس الروسي لنموذج ميلون، وقد وجدوا ست سمات شخصية بارزة، تمثّل بوضوح الملف النفسي والسلوكي لفلاديمير بوتين وتساعد المحلّلين في فهم تصرّفاته ومواقفه على المستوى السياسي والعلاقات الدولية. وقد كانت السمة الأولى الأبرز هي سمة الهيمنة والسيطرة، إذ يُسجِّل بوتين من هذه السمة نسبة أعلى من أي سمة شخصية أخرى، والأشخاص الذين يسجّلون قيمة مرتفعة على هذا المقياس يتميّزون بأنّهم يستمتعون بممارسة السلطة وتوجيه الآخرين، ويتشوّقون لرؤية الطاعة والاحترام وتحديدًا الاحترام، فالطاعة وحدها غير كافية، كما يُظهرون سلوكًا تنافسيًّا، ويحيّدون مشاعرهم وانفعالاتهم جانبًا، ودائمًا ما يكونون مَهووسين بقيمة التأديب عبر الإهانة أو الإذلال لمَن لا يحترمهم.

سمة الهيمنة والسيطرة هذه غالبًا ما تشكّل أكثر القادة فعالية في الدول والمؤسسات، بالرغم من قهريتها وعنادها، وهو ما يكلّفها أحيانًا أخطاء في حال إصرارها على الطرق السابقة، أيّ أنّها حين تقتنع بطريقة أو أداة أو منهجية ما وتجرّبها فتنجح، من الصعب تمامًا إقناع الشخص بحدود هذه التقنية أو لاجدواها في نطاقات أخرى.

ويُمكِن فهم هذه السمة كثيرًا من خلال لغة الجسد التي يُبرزها الرئيس الروسيّ في مؤتمرات عدّة مُستخدمًا إصبعه للإشارة إلى النقاط المهمّة أثناء حديثه وفي خطابه، إذ كثيرًا ما تظهر الصور الشخصية في المؤتمرات الإصبع بطريقة بارزة وكأنّه يعدّد النقاط المهمّة، وهي تعبير جيّد عن الرغبة بفرض شيء ما، أو التأديب، أو الرغبة في إكراه الطرف الآخر على سماع ما يريد أن يقوله، مماثلة تمامًا لاستخدامات البشر وإشهار السبّابة أثناء الصياح والخلافات والتوبيخ.

ثاني مقياس مرتفع من مقاييس الشخصية لدى بوتين هو الطموح القيادي الذاتي، ويرتبط بسمة النرجسية، وهي تعني أنّ الشخص يعتقد مقتنعًا بأهليته واستثنائيته، ويتوقّع من الآخرين أن يتصرّفوا على هذا الأساس، وهؤلاء يتعاملون مع واقعهم دون أن ينتظروا من أحد أن يُوليهم المهمات، فهم يتصرّفون تلقائيًّا بما يخدم مصلحتهم، دون أن ينتظروا التعليمات، ويبادرون تلقائيًّا إلى تولّي أي منصب قيادي، ويأخذون زمام المبادرة بطريقة حازمة تفرض رأيها على الآخرين باستحقاق دون أي مراعاة لآرائهم أو رغباتهم، وهذه السمة تحديدًا ما يشكّل بُعد التوسّعية لدى بوتين، أيّ أنّه يرغب على الدوام بابتلاع مصادر التهديد والوصول إليها وحلّها بشكل حازم ونهائي بدلًا من بقائها مُعلّقة أو بعيدة أو بدلًا من تعزيز الصفّ الداخلي وتقويته.

ثالث مقياس من مقاييس الشخصية، والتي يُسجّل بوتين عليها مقياسًا مرتفعًا، هي سمة الانضباطية، وتعبّر هذه السمة عن مدى تفاني الشخص في حياته اليومية ومدى اجتهاده على نفسه ومدى حبّه للنظام والترتيب، وهذه السمة بحسب علم النفس ترتبط بالتوجّهات السياسية المُحافظة، التي تحترم السلطة وتحترم التقاليد الرسمية المعهودة للأشياء، ويزعجها التغييرات المستحدثة للواقع وتحاربها بشدّة. كما أنّها السمة المرتبطة بالجُندية المثالية، والنجاح الرياضي، ويظهر هذا جيدًا من خلال حرصه على جسده وعلى الممارسات الرياضية وطريقة مشيه، هذا طبعًا باستدخال تأثير ماضيه في الأجهزة الأمنية المتّسق مع سماته الشخصية الطبيعية.

أمّا السمة الرابعة الأبرز في شخصية بوتين بحسب التحليل البحثي فهي العزلة، والعُزلة ليست مُماثلة للتجنّب في علم النفس، حيث إنّ العزلة معناها عدم الرغبة في إنشاء أيّ علاقات حميمية مع أي طرف، أكثر من كونها تجنّبًا لهم، فالعُزلة تأتي من منطلقات الاستغناء واللامبالاة وعدم الاكتراث برأي الآخرين، أمّا التجنّب فهو ينجم عن الخوف أو الحرج أو الانسحابية، وهذه السمة تحديدًا يسجّل عليها بوتين صفرًا، فهُو يُحبّ المواجهة ويُحبّ التوسّع والامتداد، لكن العزلة الاجتماعية هي ما يُسجّل عليها مقياسًا مُرتفعًا وتجعله غير مهتمّ بإنشاء روابط اجتماعية مع الآخرين ويفضّل أن يعمل وحده وأن ينجز الأمور وحده، كما أنّه لا يُحبّذ أن يعبّر أو يُفصِح عن مشاعره تجاه الآخرين؛ وهو ما يجعله يظهر بمظهر هادئ كما لو أنّه لا يعاني من أيّ مشكلة، وأخيرًا يصعب تشتيت انتباه بوتين عمّا يهمّه وعمّا يعتقد أنّه أولوية بالنسبة إليه.

بحسب تحليل الشخصية نفسه، فإنّ بوتين يُسجِّل القيمة المرتفعة الخامسة على مقياس الجُرأة والمغامرة، وهذه الصفة لا تعني الاندفاعية بالضرورة، إذ كما سبق الذكر، فإنّ بوتين يُسجِّل قيمة مرتفعة على مقياس الانضباطية والاجتهادية، وأصحاب الانضباطية المرتفعة لا يُقدمون على خطوات اندفاعية أو غير مدروسة، وليسوا متهوّرين أبدًا، لكن ما تعنيه الجرأة والمغامرة هي أنّ الشخص لا يخشى أن يكسر المحدّدات العامة والمحاذير المُسبقة في حال اقتناعه بأنّها خطوة ستحقّق له الاحترام أو الهيمنة، وهذه السمة تعبير عن الشخصية القاسية التي تعيش في عالمها الخاصّ وفق قواعدها الخاصّة، ومستعدّة للمخاطرة وتحمّل عواقب أفعالها في سبيل إظهار استقلاليتها وقدرتها على تقرير مصيرها.

أخيرًا، يُسجّل بوتين قيمة مرتفعة من حيث سمات الشخصية على سمة الارتيابية والشكّ، وهي السمة التي تعبّر عن الميل التلقائي إلى التفحّص الدائم للمحيط الخارجي، والحذر من الأشخاص حتى المضمونين منهم، وإعادة التفكير بهم عمّا إذا ما زالوا موضع ثقة أم يجب الحذر منهم وأخذ خطوات عقابية أو احترازية حيالهم، مع عدم الثقة أو التسليم لأي أحد بأي شيء. وترتبط هذه السمة بالاهتمام المُبالَغ فيه بالعبارات والسلوكيات، والبحث عن الرسائل الضمنية في الكلام أو الدوافع الخفية لتصرّفات الأشخاص، ويتركّز ذهن وإدراك بوتين والأشخاص الذين يُسجّلون قِيَمًا مُعتَبَرة على هذا المقياس على البحث عن المراوغات أو أيّ محاولات للتضليل أو الخداع، حتّى يتّخذوا بحقّ فاعلها العقوبة التأديبية المناسبة. وقد لعبت الخبرة الأمنية دورًا كبيرًا في تكريس هذا البُعد وتنميته وتطويره.

كيف تشكّل السمات النفسية السلوك السياسيّ حيال العلاقات الدولية لدى بوتين؟

بحسب نموذج “إذريدج”، الذي قارَب بين سمات الشخصية وبين المواقف والتوجّهات السياسية حيال السياسة الخارجية للرؤساء، وبسحب البيانات التحليلية السابقة لدراساة إميلمان وترينزلوك حول شخصية الرئيس الروسيّ فإنّ أفضل تصنيف لبوتين على مستوى العلاقات الدولية هو الانطوائي ذو الهيمنة العالية.

يميل الانطوائيون ذوو الهيمنة العالية إلى تقسيم العالم في أذهانهم تقسيمًا ثُنائيًّا، يفصل بين القيم والمبادئ الأخلاقية التي يعتقدون أنّها يجب أن تُهيمِن على العالَم وبين القوى المعارضة لهذه الرؤية. لذلك فإنّ رؤساء من أمثال فلاديمير بوتين، يميلون إلى امتلاك عنصر معياري حاد وصُلب لفهم العالم، إنهم يسعون إلى إعادة تشكيل العالم وفقًا لرؤيتهم الشخصية، وغالبًا ما تتميّز سياساتهم بالإصرار الذي يقدّمون به فكرة مركزية واحدة، وغالبًا ما ينشغلون نسبيًّا بموضوعات الإقصاء وإزاحة مصادر التهديد، وإنشاء مؤسسات عدّة للسيطرة على القوى المعارِضة المحتمَلة.

تتّسق النظرية السابقة مع نتائج نموذج آخر يبحث في علاقة سمات الشخصية بالتوجّهات السياسية الخارجية للرؤساء والأفراد، وهو نموذج “هيرمان”، وبإسقاط سمات الشخصية لفلاديمير بوتين على هذا النموذج فإنّ بوتين يُعتَبَر من الشخصيات التوسّعية العدائية. هؤلاء القادة ينظرون إلى العالم على أنّه “مُقسّم إلى “نحن” و”هم”، أولئك الذين معنا، وأولئك الذي هم ضدّنا، وهذه الرؤية تتأسّس على افتراض صراع ابتدائي، بوصف الصراع ضرورة متأصّلة في طبيعة النظام الدولي. تثير هذه النظرة العالمية أسلوبًا سياسيًّا شخصيًّا صارمًا يتميز بالحذر من دوافع الآخرين والرغبة بتقييدهم، والحدّ من أي مخاطر محتملة.

لكن ما هُو البُعد العملي والسياسي لهذا التنصيف النفسي؟ تتأسّس وفق هذه الرؤية سياسة خارجية ينصبّ اهتمامها على قضايا الأمن والمكانة والسيادة، وتفضّل الإجراءات قليلة الالتزامات، أي أقلّ قدر ممكن من التسويات ذات بنود والتزامات مُركّبة ومُتعدّدة تفرض عليهم أي شكل من أشكال القيود، حتّى لو كانت تصبّ في صالحهم. يُفضِّل القادة التوسّعيون أمثال فلاديمير بوتين الخطوات الصارمة التي تُحدِث تغييرًا مباشرًا وفوريًّا على الساحة الدولية. كما أنّ القادة التوسعيين لا يجدون أيّ حرج في استخدام العدو بوصفه “كبش فداء” يُحمّلون عليه تجاوزاتهم واعتداءاتهم، وقد يكون خطابهم في كثير من الأحيان “عدائي اللهجة” من حيث الجوهر إذا كان سيخدم في نهاية المطاف السيطرة على المزيد من الأراضي أو الموارد أو الناس.

بناء على ذلك، ما هي الخطوة القادمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

بحسب هذا التحليل لشخصية بوتين، فبإمكاننا أن نتوقّع -وكما يُشير إلى ذلك باحثون في علم النفس- بأنّ بوتين سيمضي قُدُمًا، وسيستمر في الحرب الروسية على أوكرانيا حتّى يحقّق أهدافه الجيوسياسية التي تبنّى تحقيقها ابتداءً، وبحسب ما تقدّم من تحليل لشخصية بوتين، فإنّه من النوع الذي لا يتراجع حتّى إن كان يخسر بالفعل أو حتّى إن فشل في تحقيق مطالبه، فما يهمّه حقًّا هو فرض الاحترام والهيبة وأن يخضع الآخرون له، لذلك حتى وإن فشل بوتين في تحقيق مبتغاه أو حتّى لو بدأت هذه المعركة باستنزاف الموارد الروسية وبإنهاك الجيش الروسي، فهو حتمًا لن يُظهِر هذا وسيستمرّ حتّى يقدّم المجتمع الدولي حلًّا لا ينتقص من قدره ولا من شروطه ولا يُظهره بمظهر الفاشل أو المنهزم. يظهر ذلك أيضا بوضوح على مستوى خطاباته الداخلية مع أجهزة الاستخبارات والجيش، وطريقة إدارته للدولة الروسية بمنطق الاغتيالات والإقصاء للمعارضين، وتوبيخ من لا يُظهر التأييد الواضح كما حدث في المقطع الشهير مع رئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين في اجتماع مجلس الأمن القومي بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا.

مظهر الثبات وعدم التقهقر وإظهار الصرامة والشدّة والإقدام هو المظهر المركزي الأساسي الذي ستحاول شخصية مثل شخصية بوتين فرضها على الآخرين، ثبات الدبّ الروسي وعدم اكتراثه ومضيه قدمًا في حربه لإنفاذ هيمنته وسيطرته على المناطق الأوكرانية بما يضمن تحقّيق مصالحه الجيوسياسية، هو السيناريو القادم الأبرز. فبحسب المعطيات النفسية التي تظهرها الأبحاث للرئيس الروسيّ، فإنّ التسويات المخادعة أو العقوبات المُهينة على الرئيس الروسيّ لن تخضعه أبدًا، ولَن يُوقفه إلّا مسار من مسارَين، أن يحقّق مصالحه الجيوسياسية بشكلها المقبول بالنسبة له أو أن يُظهر العالَم له الاحترام والتقدير وأن يتعاملوا معه من منطلق الخوف والحرص، وحينها فقط سيقبل بإجراء تسويات، بشرط أن لا تكون مخادعة أو سخيفة؛ لأنّه وبحسب تحليل شخصيته، من بين كل الأشياء التي يكرهها، فإنه لا يكره شيئًا أكثر من الخداع وتقليل الاحترام.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى