هل تشهد السياسة التركية تجاه الأزمة في سوريا تراجعا / د.رياض ياسين

هل تشهد السياسة التركية تجاه الأزمة في سوريا تراجعا
بدأ الدور التركي في الإقليم بالتغيّر مع اشتعال الازمة في سوريا ،فقد اتت الثورة السورية لتفرض على انقرة اعادة النظر في تموضعها السياسي على الساحة الاقليمية والعالمية، فتشكلت هناك رؤى جديدة استندت الى براغماتية الدولة التركية وتناست علاقات الجوار والتفاهمات مع الجارة سوريا،فهل تعاطي تركيا مع الأزمة في سوريا تأثر بالمواقف الدولية المساندة للحركة المناهضة للنظام في سوريا، أم أن تركيا العلمانية تتعاطى مع السياسة الاقليمية من منطلق مصالحها الاستراتيجية بعيدا عن عواطف القرب الجغرافي والتعاون الثنائي الذي تبخر لصالح الاستراتيجية العليا للدولة التركية.

ظلت تركيا ترفض التدخل المباشر في اتون الحرب الدائرة في سوريا،وذلك رغبة منها بعدم التدخل دون غطاء دولي يمنحها تفويضا بذلك، فهي بهذا المعنى ستختبئ خلف جدار حلف الاطلسي الذي تفضل أن يلعب هو الدور في حال حصل تدخل عسكري منتظر.

لقد تبين أن الأتراك كان لديهم موقف مختلف في حال الثورة السورية،ففي الوقت الذي كانت أنقرة أوّل المرحّبين بقيام الثورة في مصر وتونس، وجدت نفسها امام معضلة في كل من ليبيا وسوريا. برز التضارب بين قيم حزب العدالة والتنمية والمصالح الاقتصادية التي تسعى انقرة الى تحقيقها في البلدان العربية، وبهذا المعنى وضعت الثورة السورية الدور التركي على محك السياسة الاقليمية التي لاتقبل هذه المرة الانكفاء على الذات واتباع سياسة الحياد،ليس فقط من منطلق أن تركيا ترى نفسها لاعبا رئيسا في العالم الاسلامي أكثر منه مشجعا، وأن انفتاحها على العالم العربي والاسلامي كان أكثر من النادي الاوربي، بل لأن الخطر هذه المرة وصل قريبا من مرماها حسب المثل العربي الشائع فقد وصل البلل الى الذقن،فهي رات بذلك فرصتها لتبرز مكانتها وتحافظ على مصالحها،وتعيد انتاج دورها التاريخي منذ انهيار السلطنة العثمانية.

نجحت تركيا على مدى عقد مضى ودون شك في لعب سياسة متوازنة،فاعتمدت سياسة موازية تجاه الغرب، استهدفت فيها حلفائها الاميركيين والاوروبيين في عدة محطات في الوقت الذي لم توفر فيه اي فرصة للتضامن مع القضايا الاسلامية في العالم،وكان قيامها بكسرالحصار المفروض على غزة واشتباكها مع (حليفتها) اسرائيل عقب حادث اسطول الحرية شاهدا على حضورها وثقلها الإقليمي والدولي، وقد زاد ذلك من رصيدها لدى الشعوب العربية التي باتت تنظر لها باعتبارها الأقدر على التحدي ونصرة قضايا العالم العربي والاسلامي.

مقالات ذات صلة

مع تصاعد العمليات العسكرية واحتدام المواجهات على الجبهة الجنوبية لتركيا وازدياد قوة وتحركات البشمركة وجيوب حزب العمال الكردستاني، فهل سيبقى الاتراك يتأففون وينوحون، والى متى سيظل الموقف التركي محجما عن التدخل العسكري أو فتح ممرات أمنة؟

ربما تقف العديد من الاسباب والمبررات وراء ذلك، فثمة اسباب اقتصادية وأخرى سياسية وعسكرية وحتى تاريخية، فاقتصاديا تركيا تعتمد على ايران وروسيا لاستيراد ما نسبته 85% من الغاز والنفط، وهي أيضاً تعتمد على سوريا لنقل تلك المواد الاستراتيجية الى أراضيها. من جهةٍ ثانية، معظم صادرات تركيا الى دول الخليج العربي تمر عبرالأراضي السورية.فانقرة تتريث لأنها لا تريد مواجهة إيران وروسيا بشكل احادي الجانب وتفضل التريث، خاصة أن حليفتها الأساسية، الولايات المتحدة الأميركية بقيادة اوباما جمّدت السياسة الخارجية تماما.

هناك مؤشرات على الليونة في الموقف التركي من الدور الروسي،على اكثر من صعيد،فالأزمة السورية على مايبدو وصلت الى نقطة زعزعة وحدة تركيا نفسها، فتركيا باتت تخشى ان يتم حصارها من الجنوب بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا،بالاضافة الى غريمها حزب العمال الكردستاني والنظام السوري وبدرجة أقل الثقل الشيعي في العراق ولبنان وايران. فهل يمكن القول أن حرب سورية باتت حرب تركيا، وهل آن الأوان أن تصبح تركيا هدفاً معلناً لكثير من القوى،والدليل أن سلسلة التفجيرات التي شهدتها تركيا واعلن عن معظمها حزب العمال الكردستاني تأتي في هذا الإطار، فهل تدفع تركيا فاتورة موقفها تجاه سوريا،وهل استخدمت روسيا حزب العمال الكردستاني لخلق مشكلة داخل تركيا عندما قامت روسيا بمساعدة الحزب تسليحا وتموينا.

ستشهد الأيام المقبلة على مايبدو جهودا سياسية أكبر في الساحة الدولية لتأكيد التحول في السياسة التركية تجاه سورية،والتوتر الروسي التركي ليس فقط محوره تلك الطائرة الروسية التي اسقطتها تركيا،بل المواجهات في ميدان الحرب على ارض سوريا،وستعمل روسيا على محاصرة تركيا في حال بقي موقفها على حاله تجاه دعم المناهضين للنظام السوري من الجماعات والمجموعات المسلحة وتبني الخطاب السياسي للمعارضة السورية واحتضانها،ربما ستنجح روسيا في قطع العلاقات بين الشعوب التركية في القفقاس، لكنها لن تنجح بسهولة في قطع علاقات تركيا مع العالم الاسلامي.

rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى