
شعوب منهوبة
كل الدول العربية التي وقعت فيها ثورات او صراعات سياسية، خلال السنين الفائتة، تعرضت الى نهب مالي لاسابق له في تاريخ العرب، والمبالغ التي تم نهبها تصل الى ارقام فلكية.
المشكلة هنا ان التفسير الاول يتحدث عن ان اطراف كثيرة، تعمدت ممارسة هذه السياسات من اجل جعل هذه الشعوب تندم على ثوراتها، وبحيث يكون ثمن الثورة مضاعفا، وقد رأينا شعوبا عربية كانت تتهم انظمتها بنهب عدة مليارات، واذ بها بعد الثورة على النظام، تفقد مبالغ مالية اكبر، وكأن المراد هنا ان يقال ان الانسان العربي غير قادر على الوقوف على قدميه، وان قدره ان يبقى منهوبا.
لكن الحقيقة تقول ان جملة عوامل تداخلت معا، مابين الفوضى التي تسمح للصوص بتحقيق اهدافهم، من جهة، خصوصا، اللصوص السياسيين، اضافة الى تداخل عوامل دولية تجعل النهب مطلوبا لمعاقبة هذه الشعوب، ولايمكن هنا ان نتناسى الواقع الذي يقول ايضا ان بنية الانسان العربي لم تكن جاهزة اساسا لهكذا تغييرات، حتى لانبقى نتهم المجهول، والا بما نفسر زيادة السرقات والفساد، بهذا الشكل المرعب، في العالم العربي.
بين يدي تقرير للأمم المتحدة يتحدث عن اختلاس المال العام في ليبيا بمستويات كبيرة، في ظل غياب آليات مراقبة فعالة وتواطؤ أعضاء المؤسسة السياسية واكتساب الجماعات المسلحة مكانة كبير، وان الجماعات المسلحة استخدمت الاعتمادات المستندية، وبطاقات السحب، وتهريب الوقود، والإتجار بالمنتجات المدعومة، كقنوات لاختلاس أموال الدولة الليبية.
في القصة الليبية يتحالف الارهابي مع السياسي من حيث النتيجة فالكل يسرق مال الشعب الليبي تحت مبررات مختلفة، لكن النتيجة واحدة، اي جعل الليبيين يندمون على القذافي، ويرون فساد عهده بسيطا مقارنة بما يجري، وهي غاية مطلوبة لاعتبارات كثيرة، على عدم دقتها.
الامر ذاته يتكرر في بيئات اخرى، ولو حللنا الصراع في سوريا، والنهب المالي الذي جرى تحت عناوين مختلفة، من بينها ادارة الحرب، وتغطية كلفها، وماتعرض له الاقتصاد السوري، لاكتشفنا ان القصة قد لاتكون فسادا مباشرا، بقدر ان النتيجة واحدة اي تدمير بنية سوريا الاقتصادية، وقد رأينا اضافة الى افعال النظام، سرقات اطراف اقليمية لموارد سورية، وماتفعله الجماعات المسلحة، وبلاشك، فأن الشعب السوري وحده يدفع الثمن.
النموذج العراقي، كان بحد ذاته قصة كبيرة، اذ بعد سقوط النظام عام 2003، وحتى اليوم، تتفجر في العراق يوميا قضايا فساد مجموعها يصل الى مئات المليارات، بعضها منسوب الى رجال سياسة، واحزاب، ورموز دينية، اضافة الى ماتفعله الجماعات المسلحة، وللقصة العراقية تفسيراتها التي قد لاتتطابق مع القصة الليبية والسورية، لكنها من حيث المحصلة، تؤدي الى النتيجة ذاتها، تفقير العراقيين وجعلهم يعقدون مؤتمرات يطلبون فيها دعما دوليا لاعادة اعمار العراق، وهو يعومون فوق بحر من النفط، تم تبديده في الحرب العراقية الايرانية سابقا، ثم في مواجهة اثار الحصار، ومارأيناه بعد سقوط النظام.
ليس اسهل على الانسان العربي، من شرح وتبرير كل حالة، لكن مادمنا لانشخص بجرأة هذه الامراض، ونتائجها الخطيرة على الانسان العربي، وتحديدا تأثيراتها المستقبلية على اجيال تولد بلا امل او مستقبل، فسوف نبقى نواجه ذات الواقع، كوننا لانعترف بكل الثغرات ولا الممارسات الخاطئة، والكل يحمل طرفا آخرا المسؤولية.
هذه نماذج لدول واجهت ثورات او فوضى او احتلالات او صراعات، وقد جلبت معها كل الوباءات، لكن هؤلاء ليسوا وحدهم، اذ معهم في النهاية، شعوب مستقرة، في دول اخرى، تواجه فسادا كبيرا وصغيرا، في بيئات مستقرة لم تعصف بها الفوضى، وكأن الجميع يتساوى من حيث النتيجة.
هذا هو الواقع، وهو واقع يقود الى الاقرار بأن العالم العربي، في اغلبه بات منطقة غير صالحة للحياة.