الأردن بين الجِوار والمساعدات / سلامة الدرعاوي

الأردن بين الجِوار والمساعدات

اقتصاديّاً طالما كان الأردن يعتمد على عُنصرين رئيسيين لاستقراره الاقتصاديّ، هما الجِوار والمساعدات الخارجيّة.
بالنسبة للجوار شكّل السوق العراقيّ لِوحده اكثر من ثلث الصادرات الوطنيّة في فترة التسعينات بداية الألفيّة الجديدة، وتنامت أهمية هذا السوق المُجاور للمملكة مع اعتماد الأردن عليه في تغطية كامل احتياجاته النفطيّة ضمن تفاهمات اقتصاديّة أُطلق عليها البروتوكول التجاريّ الأردنيّ العراقيّ الذي تجاوزت قيمته الإجماليّة من الطرفين في بعض الفترات اكثر من ملياري دولار.
أهمية الجوار بالنسبة للاقتصاد الأردنيّ أنها عززت من وجود الصناعات الوطنيّة لدرجة أن غالبية المنشآت الصناعيّة في مدينة سحاب كان أساس وجودها هو تلبية احتياجات السوق العراقيّة.
هذا الأمر تغيّر كثيراً بعد عام 2003، وفقد الأردن السوق العراقيّة وخسر النفط التفضيليّ الذي كان يحصل عليه لسنوات طويلة.
الأردن ظل يعتمد على استقراره الاقتصاديّ على الجوار بعد عام 2003، واستبدل حينها النفط العراقيّ التفضيليّ بِمنح نفطيّة خليجيّة تحديداً من السعودية والكويت والإمارات تحوّلت فيما بعد إلى مساعدات ماليّة مباشرة للخزينة.
أهمية الجوار للأردن ليس فقط في مجال المساعدات فقط، وإنّما أيضا في خلق عمق استراتيجيّ لصادراته الوطنيّة، فالعمق العربيّ لوحده يستحوذ على اكثر من 55 بالمئة من إجمالي الصادرات الوطنيّة، وهذا يدلّل أن العراق شكّل أهمية بالغة للاقتصاد الأردنيّ، وهو مرتبط بالموقع الجغرافيّ الاستراتيجيّ للمملكة والذي جعل من موقعها نقطة استراتيجيّة في الإقليم.
سياسيّاً، كان الأردن على الدوام وبسبب ارتباطه بالقضيّة الفلسطينيّة، وكونه الحاضن الأكبر للاجئين في المنطقة، جعلت من أراضي المملكة موضع قدم لحركة لاجئين غير تقليديّة، وهي ما شكّلت ضغوطات غير مسبوقة على استقراره الاقتصاديّ، من خلال الضغوطات على البنية التحتيّة ومرافقها المختلفة من خدمات صحيّة وتعليميّة أثرت على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين سلبيّاً من جهة، وعلى الخزينة ماليّاً من جهة أخرى، وهدا ما جعل المانحين يتعهدون على الدوام بتقديم المساعدات الداعمة لتلبية النفقات التمويليّة المتزايدة على الاقتصاد الوطنيّ.
لكن حتى الأزمات السياسيّة والأوضاع المضطربة في الإقليم بقدر ما شكّلت تحديّاً كبيراً على الاقتصاد الأردنيّ من حيث جهوده في جذب السياحة والاستثمارات الأجنبيّة اليه، بقدر أيضا ما ولّدت فرصا كبيرة للاقتصاد الوطنيّ من حيث تدفق اللاجئين من الفئة الغنيّة التي ساعدت على تعزيز الحركة الصناعيّة والتجاريّة، وأفضل مثال على ذلك رجال الأعمال العراقيين والسوريين حيث شكّلوا تجمعات اقتصاديّة مهمة في الأردن واستطاعت أن تعوض ما خسره الأردن من هروب لبعض الاستثمارات للخارج خاصة لِكُلّ من مصر وتركيا في السنوات الأخيرة، لكن للأسف تراجع حجم هاتين الجاليتين بشكل كبير نتيجة التعقيدات البيروقراطيّة الرسميّة التي أثرت سلباً على البيئة الاستثماريّة في المملكة، وإذا ما دققنا الأرقام نجد أن المنشآت العراقيّة تراجعت في المملكة من 550 شركة إلى ما يقارب الـ150 منشأة فقط، في حين أن السوريين تراجعت منشآتهم من 340 إلى حدود الـ120 منشأة فقط ، وهذا يدلّل على فقدان الإدارة الرسميّة لعنصر الجاذبيّة لهؤلاء المستثمرين غير الأردنيين وعدم استقطابهم لهم في وقت كانت المملكة بأمس الحاجة لاستثماراتهم وتوطينها في المملكة.
المرحلة الراهنة غامضة سياسيّاً واقتصاديّاً نتيجة لتعقيدات المرحلة وصعوبة تحدّياتها وارتباطهما ببعضهما البعض أي العامل السياسيّ مع نظيره الاقتصاديّ، وما يحدث اليوم في الاقتصاد الوطنيّ هو أمر لصيق للعامل السياسيّ الذي مازالت ملامحه لم تتضح خاصة في ما يعرف بصفقة القرن والتي تشكّل تهديداً مُباشراً على استقرارا المملكة، والجميع بانتظار ما ستفرزه تداعيات التطورات السياسيّة والتي قد تُشكّل الشكل الجديد للاقتصاد في المرحلة المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى