
قطرة ماء على خد عُقله…
نزل من الباص بعد طول انتظار حتى امتلئ بالركاب… وتنفس الصعداء بعد أن وصل إلى المجمع ونزل مع الركاب ليبحث عن وسيلة مواصلات أخرى رخيصة حتى يصل إلى بيته المتواضع في أقصى القرية ليشاهد أطفاله وزوجته ويقضي أجازته بين عائلته ….وبعد أن ترجل من الباص ماشياً على الرصيف و إذ بقطرة ماء تسقط على خده الخشن الذي صلته حرارة الصيف الماضي …فمد يده ليمسح هذه القطرة و إذا بالقطرة الثانية وتلحق بها والثالثة ….حتى بدء تساقط المطر بغزارة …فبدء يتذكر ما سمعة بالباص عن دخول جبهة قوية خلال الأيام القادمة …وتحذيرات الأرصاد الجوية …والدفاع المدني ….ومديرية الأمن العام ….والشريط الإخباري المتحرك في أسفل الشاشة …..واستعدادات البلديات لمواجهة المنخفض ….و محمد الشاكر ….وسماوي …..يعني تقريباً حرب عالمية ثالثة.
عُقله يسابق الزمن للوصول للبيت ومعه كيس اسود يحتوي على القليل من الأغراض للبيت والأولاد …ألا أن تلفونه الخلوي (لوكس) لم ينفك عن الاهتزاز …ترن ترن ترن ترن ….فتناول التلفون ومسكه بالعكس طبعاً… لأنه السماعة خربناه وأجاب الزوجة البسيطة لتتحدث معه لمدة خمس دقائق ليسجل الأغراض الضرورية للبيت…(أغراض المنخفض) ليقف بعدها عُقله على الرصيف ويصفن صفنه طويلة بالقائمة …. ليقول في نفسه : لقد أصبح كل شيء الضعف الكيلو اثنين كيلو والاسطوانة ضرب اثنين والكاز جريكنيين ….في لحظة واحدة زوجة عُقله تطلب أضعاف أضعاف ما هو مطلوب للبيت والسبب هو المنخفض ….أحتار عُقله وندم على الأجازة …وجيوبه فارغة لا تحتمل هذا الكم من الطلبات …فوقف تحت المطر ولم يعد يكترث للبلل …وتمنى العودة إلى المعسكر …….
كلنا عُقله ….المنخفض خيرات من الله ….ونحن بنعمه من الله و الحمد لله ….فنحن بلا نسكن بخيمة …ولا ننتظر مساعدات من احد ….ولا ننتظر وصول صوبة ولا حرام لندفئ أولادنا عندنا ما يكفينا ولله الحمد ….أنما قصدت من وراء قصة عُقله …أن نتفقد بعضنا البعض…عائلة مستورة تقطن بجانب وادي أو سيل ….أو رجلاً طاعن في السن لا يقوى على خدمة نفسه…. أو حتى أرملة لا تقوى على حمل جريكن الكاز ….وكفى منا أن نتسابق على تخزين الكستناء والبطاطا الحلوة من اجل المنخفض…وغيرنا يبحث عن الخبز والشاي ليسد رمقه من الجوع.
youseftalab@yahoo.com