عمان – الرأي – بغلاف ذهبي، يوقع الفنان خلدون الداوود الكتاب المجلد الصادر عن رواق البلقاء بعنوان «العقبة وادي رم» في الثالث والعشرين من الشهر الجاري في الثغر الباسم للأردن العقبة.
ويسعى الفنان من خلال الكتاب ، وكتب أخرى كانت صدرت عن رواق البلقاء إلى تدوين الجمال ونشر الثقافة البصرية، والمساهمة في توسيع السياحة الثقافية التي يرى أن حضورها لا يتوقف عند الجانب السياحي بل يتصل بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية التي تحمل رسالة الأردن إلى العالم.
ويجيء الكتاب للتعرف بالمكان والمنجز القديم الذي تحقق في أركانه متشابكا مع الإبداع الحديث الذي يجسده فنانون أردنيون وعرب شعراً، وموسيقى وفوتغرافا وتشكيلا.
يستهل المجلد الذي وقعت مقدمته باسم أسرة الرواق محتفياً بالجمال الباذخ لعناق الماء والصحراء عنوناً لموضوع اللوحات التي اشتمل عليها الكتاب، ولمعنى مجاورة العقبة ووادي القمر في الماء بزرقته والرمل بنقاء صفرته.
تقول المقدمة: على مدار أكثر من ربع قرن، أخذ رواق البلقاء على عاتقه الاحتفاء بالمكان الأردني بكل تفاصيله وجمالياته، وعمق تاريخه، وتنوع جغرافيته، ولكن الانطلاقة الجديدة له لا تكفي بالجانب الترويجي، وكشف الحجب عن الجمال الفاتن للطبيعة البكر، بل تؤسس للتعريف بـ»المثلث الذهبي»، البتراء والعقبة وودادي رم، عالمياً، وهو ما يمكن أن يؤسس لنشاط السياحة وحركة الثقافة والفن .
لقد كان لنجاح الإصدارات السابقة لرواق البلقاء، وآخرها المخصص للبتراء والحضارة النبطية معجزة العالم الأبرز أصداء، دفعتنا إلى الانطلاق بقوة للتأشير على جغرافيات أخرى تضمها فسيفساء الأردن.
لقد رأينا أن المبدعين هم خير من يمكن أن يقبض على تلك اللحظة المدهشة، ويخلدونها في الشعر واللوحة والصورة، وأن رواق البلقاء ماض في خططه للاحتفاء بالمكان الأردني، وإضائت جوانب جديدة منه والكشف عن جوانبه كافة.
يقول القاص مفلح العدوان: من خلال متابعتي لمشاريع رواق البلقاء، كنت أجد فيها اتجاه تقديم الفن والإبداع بموازاة العنياية بجماليات المكان الأردني بشكل مختلف يتقدم على غالبية المتداول والسائد. وهو يشكل خروجاً من دائرة المحلية إلى فضاء العالمية لجهة المحتوى والشكل.
وهذا يسجل للرواق، وينبع من الاهتمام الشخصي لخلدون الداوود، فهو فنان وعراب المشروع الذي يمنح الجميع فرصة للسفر في المكان، وهو بحد ذاته يمثل زخماً للكتب التي انتجها الرواق. وتشكل جهدا مواز لوزارات الثقافة والسياحة والأكاديميات ، وهذا دور أهلي وشعبي يتولاه الداوود للسفر بالمكان إلى العالم.
تقول مديرة مشروع الكتاب سهى الداوود: الكتاب طبع في ست لغات بنص التشكيلي الشاعر محمد العامري ولوحات فنانين أردنيين وعرب، ويجيء بعد كتب :»حوار الانهر، والقطار والبتراء، ويمثل محطة مهمة في مسيرة (الرواق) للتعريف بالمكان وجمالياته، بهدف نشر السياحة الثقافية، وهو كتاب يقوم على قراءة لتجاورات المكان وتجليات الجمال وتنوعه في اللون بين الأزرق والماء في العقبة وما يحيط بها من نخيل، والأصفر ودرجات الترابي وما يظللها من فضاء، وقراءة للمحيط البشري والنباتي للبيئتين وما ترك ذلك على المشاهدة من جماليات وثقافات.
كان الكتاب السابق عن المدينة الوردية، البتراء، عاصمة الأنباط وإحدى عجائب الدنيا السبع، وهذا الكتاب عن وادي القمر والعقبة الثغر الباسم، وهي أماكن تمثل نصوصاً جمالية وتاريخية تعمق السياحة الثقافية.
المؤرخة والباحثة الأكاديمية هند أبو الشعر، طرزت دراسة علمية بعنوان: «أيلة مملكة المرجان وشواطيء الشمس»، تحدثت فيها عن الموقع والجغرافيا، والمدينة عبر العصور، وأهميتها الاستراتيجية والتجارية والسياحية والثقافية.
تقول أبو الشعر: تختصر أيلة سيرة العصور التاريخية التي تربط الجغرافيا بعبقرية الإنسان، فرأس الخليج المطل على ساحل البحر الأحمر يربط بثالوث الحضاري»بلاد الشام ومصر وشبه الجزيرة العربية»، معاً، ويقبض على عنق البحر الأحمر الذي تختصر سيرته تاريخ التواصل البشري عبر العصور.. فعبر هذا الثالوث الحضاري مرت جذور المدنية والمعرفة ومنارات الأديان، وتواصلت الجماعات والدول والحضارات، ومن هنا تبدأ سيرة أيلة عبر العصور.
وتختم د. أبو الشعر دراستها بنداء شعري، «فيا ملكة المرجان والشمس والشواطيء.. يا أيلة، أيتها البهية العظيمة الجميلة، دام عزك..
افرشي لنا أمواجك السخية بالتاريخ.. افتحي خزائنك المكتنزة بأناس الأجداد، وخواتم الجدات، أعطينا من أعماقك الدافئة قبضة حب، ظلي في ذاكرتنا ملكة المرجان والشواطيء المشمسة إلى دهر الداهرين».
كتب الشاعر الفنان محمد العامري نصوص الكتاب الذي يقع في نحو 700 صفحة من القطع الكبير كتبها نصاً ينفتح على المكان والتاريخ والجغرافيا ، متكئاً على «سرير البحر»:
كنت حين أغتسل البحر بأسماكه، على مقربة من نجمة غافية
كنت كذلك، أرسم على الرمل اسم الماء، كما لو أن المكان معبد النخيل، تحج إليه النوارس بريش تبلل ببرتقالي الغروب.
ومن نص»سيدتي»:
كل ما فيك اغتسال، وأثواب مطرزة بتراتيل البحر
بتراتيل الصيادين في فجر الديكة وهسيس موجة ناعمة
كأن البحر قمصان من الرمل المطرز بالخطا.
ومن «جيد الحجر»
تلك العروس التي زينت نحرها بمحارات بيضاء من غير سوء
وحطت في اذن المحبة سلة من زرقة بعيدة كي تنصت لقلب القلعة وارتباك العاشق على سرير الماء
تنصت بمزاج الملح.
ومن «أيلا»
أيلا تغمس في منديلها البحر كي يؤوب إلى بيته القرمزي
أيلا جهات أربع أو بوابات تنفتح على باب الهوى
مسورة بالغار وحراس الماء
مسورة بصهيل الجبل بنور الكتاب
مسورة بأقواس النور
أقواس من مر من تحتها رسل الثورات ورسل النور إلى أرض الفردوس.
وعن الكتاب والمدينة والشعر، يقول العامري: المشاريع الثقافية والحضارية التي يشرف عليها رواق البلقاء وينفذها بحرفية عالية مشاريع متفردة وتغذي المكتبة الوطنية بمادة ثقافية عن الأمكنة الأردنية المتميزة.
وكتاب العقبة – وادي رم يجمع بين الفعل الثقافي والميثولوجي والسياحي وهو في عدد من اللغات اضافة الى اللغة العربية مشفوعا برسومات عن العقبة لمجموعة من الفنانين الاردنيين والعرب والاجانب، وسبق للرواق ان نفذ مشاريع مشابهة منها كتاب البتراء وحوار الانهر وسكة الحديد الحجازية.
تأتي اهمية هذا المشروع الذي كتب تمهيده الاستاذ ناصر الدين الاسد ومقدمته التاريخية الدكتورة هند أبو الشعر، بالاضافة الى النص الادبي الذي تشرفت بكتابته.
انه مشروع يوثق المكان جماليا وتريخيا ويعكس الاهمية التاريخية لحاضرة العقبة وجوارها ، ويعمل الرواق على انجاز مشروع اخر عن مدينة مآدبا والذي سينجز خلال هذه السنة .
لقد استطاع رواق البلقاء عبر انفتاحه على المثقفين الاردنيين والعرب والاجانب ان يسهم في تسويق الاردن ثقافيا وسياحيا، حيث تأتي هذه المشاريع كمحفز لباقي المؤسسات لتقدم مشاريع متفردة وغير نمطية، اننا نحتاج في الأردن الى مثل هذه المشاريع الرائدة .
يشمل الكتاب الذي دعم من عدد من المؤسسات، منها: كمبنسكي، تانيا تورز، ببي العقبة،وشركة كهرباء العقبة وشركة كاشيت للمجوهرات،
على لوحات ولقطات فوتغرافية ونقوش أعمال فسيفساء ومنحوتات وأعمال رمل وآثار وصور لوجوه ونباتات ولقطات من حياة الناس في العقبة ووادي رم، ولنقود قديمة ومحفرات وأعمال تركيبية وصور لمجوهرات استعارت بيئة المكان البحرية والصحراوية.
في جزء من الأعمال التي اشتملها الكتاب كانت نتيجة ورشة نظمها الرواق في العقبة شارك فيها الفنانون: محمد العامري، إبراهيم الخطيب، غاندي الجيباوي، حسين نشوان فادي الداوود، لؤي الداوود، وشادي الداوود، وعدد من الفنانين العرب، منهم: فرغلي، بهجوري، هيثم عبد الحفيظ، من مصر، عتاب حريب، سوريا، هاني دلة، العراق، ورالف ريستشك، ماريا بالا، سيرجي برلوف، مايلين رسموسين.
أ.ر