
الولاء والبراء
كثيرون منا لم يكونوا يعرفون معنى لهذين المصطلحين، قبل ظهور التنظيمات المتطرفة، التي ادعت أنها تأسست بهدف الجهاد ضد الأعداء الذين غزوا ديار المسلمين، لكنها لم تفعل، بل وجهت أسلحتها نحو المواطنين بحجة أنهم مرتدون عن الإسلام لأنهم لم يقدموا لها الولاء ولم يتبرأوا من حكامهم الذين لا يحكمون بشرع الله.
شرعيا: الولاء هو خالص المودة والمحبة والنصرة والتأييد لله ولرسوله ولأمة الإسلام، وأما البراء فهو عكس ذلك، أي التبرؤ ممن يعاديهم وعدم محاباتهم أو موالاتهم ولا التقرب منهم.
على الصعيد النظري فالولاء والبراء من لوازم الإيمان، وعلى الصعيد التطبيقي هما متلازمان لا ينفصلان، بل لا يصح الدين بغير الإلتزام بهما.
لقد جاء في كتاب الله من الآيات الصريحة الدالة على أهمية هذا الموضوع ما يغني عن الشرح والتفسير ، وأورد آيتين في باب الولاء: ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” [التوبة:71 ]، وقوله تعالى:” وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”[المائده:56].
أما في البراء فقد قال تعالى:” لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ”[المجادلة:22 ]، “لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ”[ال عمران: 28] .
هكذا نتبين أن الولاء والبراء أمر عقدي إيماني، ولم يحدث التناقض بين الولاء الإيماني والسياسي في الدولة الإسلامية الراشدية، لكن بعد التحول الى الحكم العضوض، والذي ما زال قائما الى اليوم، وأصبح فيه ولي الأمر مفروضا بالنظام الوراثي أو بقوة العسكر، لم يعد الولاء للأمة شرطه الولاء للحاكم، وأصبح الحاكم هو الذي يقرر البراء من أعداء الأمة أو موالاتهم، لذلك لم يعد لمعنى الولاء والبراء من تطبيق عملي، فبقى مقتصرا على القناعات الفردية النظرية.
لكن أصحاب المطامع السياسية منذ الدولة الأموية والى اليوم، ظلوا يستغلون هذا المبدأ وفق ما يحقق مصالحهم فجعلوا الولاء لهم يعني الولاء للعقيدة، واستخلصوا لهم من مفتي السلاطين من بحثوا ونقبوا عن أحاديث تبرر لهم ذلك من مثل حديث “ولو جلد ظهرك ..”، كما جعلوا البراء بمثابة سلاح يستخدمونه ضد معارضيهم لهدر دمهم والبطش بهم.
كان أحدث استغلال لهذا المبدأ حينما تفتقت عبقرية قوى الإستكبار الغربي عن اختراع فكرة الإرهاب الإسلامي لشن الحرب عليه، فأوعزوا الى الجماعات الموكل إليها القيام بالأعمال الإرهابية أن تبرر التفجيرات ضد المدنيين أو قتل المصلين على أنها تطبيق لحد الردة بعد إذ اعتبرت المجتمعات المسلمة الحالية كافرة بعد إذ لم تعلن الولاء لدولة البغدادي (الإسلامية) ولأنها قبلت بحكام لا يطبقون الشريعة.
هكذا وبخبثهم أوقعوا بين المسلمين، فأخذ بعضهم يقتل بعض، فمن جانب يقتلهم الإرهابيون من عملاء أجهزة المخابرات العالمية المتحدة، ولحق بهؤلاء بعض البسطاء المخلصين لدينهم الذين صدقوا أنهم مجاهدين، فانكشفوا للأنظمة وأسيادهم فنكلوا بهم ومزقوهم شر ممزق، واجتمع كل المعادين للإسلام في العالم ليصبوا نيران حقد عمره خمسة عشر قرنا على حواضر الإسلام التاريخية، كما استفادت الأنظمة الفاسدة بالتخلص من معارضيها بحجة مكافحة الإرهاب.
هكذا نرى كيف أراد الله بمبدأ الولاء والبراء حماية الأمة وتحصينها، لكن أراذل العربان وأشرار الأمة تمكنوا من تحويله الى نقمة عليها، زادتها وبالا على وبال.
