جنود عرب في جيش الإحتلال .. تعرف على قصصهم

سواليف

يثار من حين لآخر موضوع خدمة العرب في الجيش الاسرائيلي، داخل الكيان وخارجه، ويتساءل كثيرون، كيف يمكن للعرب، أبناء الشعب الفلسطيني أن يخدموا في الجيش الاسرائيلي الذي يحتل أرض شعبهم ويمارس كل هذه الجرائم القمعية. ليس هذا فحسب، بل إنهم يقفون في خط الهجوم الاول. وربما يرتكبون جرائم ضد أبناء شعبهم تفوق جرائم الجنود الاسرائيليين في أحيان كثيرة.

ما هي قصة هؤلاء الجنود ؟ من هم ؟ وما هي دوافعهم ؟ وإلى أين يريدون الوصول ؟ هل هم مجرد مرتزقة ؟ أم أنهم يؤمنون بما يفعلون ؟ وما هو هدف اسرائيل من تجنيدهم ؟ وكيف تعاملهم ؟ وهل تثق بهم فعلاً ؟

عودة إلى الماضي

منذ قيام دولة الإحتلال الإسرائيلي سنة 1948، وحتى قبل ذلك عندما كانت تعمل بإسم الوكالة اليهودية، وبضع عصابات عسكرية تابعة لها أو متمردة عليها، تضم في صفوفها عربا يتعاونون معها ضد شعبهم.

نتيجة هذا التعاون، مثل كل تعاون مماثل، لم تعد عليهم بالخير. ففي أحسن الأحوال تم إبقاء المتعاونين في وطنهم ولم يتم تشريدهم إلى الخارج. ولكن حتى هذا البقاء، ما فتئ أن تحول إلى كابوس في مراحل عدة. فقد تم نهب أراضيهم لمصلحة اليهود. ومورست ضدهم سياسة تمييز عنصري بشعة. ويعانون من الاضطهاد.

ولذلك، فإن دولة الإحتلال الإسرائيلي لم تثق بهم في يوم من الأيام. وظلت وما زالت تخشى أن ينتقموا منها يوما ما. وفي بداية نشوئها لم تقم بتجنيدهم في الجيش. ولم تسند إليهم أية خدمة عسكرية. وأخذت منهم بعض الشبان فقط من الخبراء في قص الأثر وخدمات أخرى.

من هنا جاءت الفكرة لتجنيد الشبان العرب في الجيش. وبعد نقاشات طويلة ودراسات متشعبة، توصلت القيادة الإسرائيلية إلى قناعة بأن تكون الخدمة إجبارية فقط لأبناء الطائفة العربية الدرزية. وأما بقية العرب، من المسلمين والمسيحيين، فتقرر أن يفتح المجال لهم للتطوع في الخدمة بشكل اختياري.

ما هي دوافع العرب المتطوعين في الجيش الإسرائيلي؟

كان التطوع محدوداً للغاية، ففي البداية اقتصر على شبان بعض القبائل البدوية في الشمال بالجليل وفي الجنوب بصحراء النقب، ونفر قليل من بقية العرب. وكانت وراء كل واحد منهم، دوافع محددة للإقدام على هذه الخطوة :

منهم من اعتبروا أنفسهم مواطنين في دولة الاحتلال وبالتالي ينبغي عليهم أن يكونوا مخلصين لها، والخدمة في الجيش هي قمة الإخلاص في نظرهم.
منهم من أخذوا الخدمة العسكرية بالوراثة عن الوالد.

البعض منهم اعتبروا الزي العسكري والسلاح والنفوذ بمثابة مظاهر قوة مهمة في المجتمع العربي الداخلي، إذا كانوا مثلا من عائلة صغيرة مستضعفة في بلدة توجد فيها صراعات عائلية، أو من طائفة أقلية تخضع لتعسف الطائفة الأكبر، أو لإظهار نوع من المساواة مع اليهود في بلدة مختلطة.

الغالبية منهم رأت في الجيش قشة إنقاذ اقتصادية، فالخدمة تطوعية لمدة سنيتن ونصف السنة، وفي نصفة السنة الاخيرة يصبح الأجر حوالي 1100 – 1200 دولار شهرياً. وبعد انتهاء الخدمة توجد إمكانية لأخذ المتطوع إلى الخدمة الدائمة في الجيش النظامي أو في الشرطة أو حرس الحدود براتب تدريجي يبدأ من 1200 دولار. ولكن هذه الامكانية محدودة جداً. فالجيش الإسرائيلي غير معني بفتح أبوابه أمام آلاف الجنود العرب. ويحرص على أكثرية ساحقة دائمة لليهود تصل إلى أكثر من 96 في المئة.

بعض الوظائف المخصصة لموظفين أو عمال تشترط الخدمة في الجيش مثل : شركة الكهرباء، والمصانع العسكرية أو شبه العسكرية وفروع الالكترونيك والحراسة وشركة القطارات وغيرها.

ما موقع الجنود العرب الحقيقي في الجيش الإسرائيلي؟

لا يُعرف بالضبط عدد الجنود العرب في الجيش الاسرائيلي، لكنه يقدر ببضعة آلاف قليلة، معظمهم موزعون على الوحدات العسكرية العامة، باستثناء كتيبة واحدة للعرب، تسمى “الدورية الصحراوية” وقوامها حوالي 800 جندي، أكثرهم نظاميون والباقون متطوعون مسلمون ومسيحيون، أما الدروز فمنتشرون في مختلف الوحدات.

ولقد انعكس التمييز العنصري ضد العرب عموماً في الجيش، من ناحية المناصب والرواتب، فقط في السنوات الاخيرة بدأت تمارس المساواة تجاه بعض الجنود والضباط العرب الدروز بالأساس في بعض الوحدات العسكرية، لكن هذه المساواة لم تتغلغل إلى داخل القواعد العسكرية، خصوصاً فيما يتعلق بالجنود العرب من غير الدروز.

الجندي العربي في الجيش الإسرائيلي : أية تناقضات؟

يفهم الجندي العربي منذ اليوم الأول لخدمته العسكرية في الجيش الاسرائيلي بأنه سيدخل في مواجهة مع عدو هو ابن شعبه وأمته العربية، ويمكن أن يكون هذا “العدو” ابن عائلته أيضاً، المشردة على الطرف الآخر من الحدود. وعليه أن يكون محصناً ضد المشاركة الوطنية والقومية. وإلا فإنه سيخون قَسَمه للجيش الإسرائيلي.

في البداية كانت قيادة الجيش تأخذ في الإعتبار هذه المشكلة، فلا ترسل الجنود العرب إلى خطوط النار. لكنها الآن فقدت هذا الإحساس. ولم تترك جبهة قتال إلا وأرسلت إليها جنوداً عرباً، من لبنان إلى قطاع غزة وحتى الضفة الغربية. وفي المقابل، شعر هؤلاء الجنود بأنهم تحت مجهر الشك دائماً، لذلك حاولوا في كل يوم وكل معركة أن يثبتوا إخلاصهم، فكانوا كما يقول المثل ملكيين أكثر من الملك.

وفي الوقت نفسه، يعاني هؤلاء من تناقض آخر، فالجندي العربي يخدم في الجيش ويعرض حياته للخطر “من أجل الدولة”، فيعود إلى بلدته ليجد “الدولة” تهمله وتهمل بلدته. فسياسة التمييز العنصري الإسرائيلية جعلت البلدات العربية في اسرائيل مجرد فنادق بائسة، بلا أماكن عمل للصناعة وبلا أرض للزراعة فمعظم الأراضي صودرت، بل إن البلدات التي خرج منها جنود عرب عانت من سياسة التمييز العنصري أكثر من نظيرتها التي قاومت التجنيد وقاومت السياسة الحكومية، ومع تنامي الوعي الوطني في البلدات العربية أصبح الجندي العربي منبوذاً في قريته وبين أهله، فيقاطعه معظم أصدقائه، وحتى إذا توفي، قلما يجد من يسير في جنازته.

أية مهام للوحدة العربية في الجيش الإسرائيلي؟

تعتبر الوحدة العربية في الجيش الاسرائيلي حديثة العهد، فقد تأسست سنة 1987، قبيل الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، لتحصل احتكاكات بسيطة بينها وبين الفلسطينين، أما في انتفاضة الأقصى سنة 2000 فقد وضعت هذه الوحدة في خط النار الأول أمام الفلسطينيين، إذ تم تسليمها الشريط الحدودي بين قطاع غزة الفلسطيني وبين سيناء المصرية. وكلفت بمهمات تعتبر جرائم حرب بكل المقاييس كهدم المئات من البيوت الفلسطينية، اقتلاع الأشجار وتدمير المزروعات، والمواجهة مع المواطنين قتلاً وجرحاً واعتقالاً وإهانة وإذلالاً. وقام أفرادها بهذه المهمات بالروح نفسها التي تميز تعاليم الجيش الاسرائيلي، بل ربما بالغوا أحيانا في التنكيل بالفلسطينيين أكثر من اليهود أنفسهم.

وبقيت أفعال هذه الوحدة سراً من أسرار الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة. ولكن، وبشكل مفاجئ، بدأت تتسرب معلومات تفيد بأنها ارتكبت جرائم بشعة، وأن أفرادها، جنوداً وضباطاً، متورطون في مخالفات حتى ضد الجيش، والسبب في كشف هذه المعلومات يكمن في الخلافات الشخصية والعائلية التي تنتاب أفراد هذه الوحدة. وقادت الخلافات والصراعات بين هذه الأطراف، إلى الوشاية ببعضهم البعض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى