فساد فقط بـ ٦ مليارات ونصف ( شوية ترمس ) !! / طاهر العدوان

فساد فقط بـ ٦ مليارات ونصف ( شوية ترمس ) !!
من مفاسد الصدف التي تبعث الحسرة والالم في كل نفس عربية يملؤ جوانبها ضمير واخلاق ودين ، أن يبرز هذا التناقض والتباين بين ما يحدث في العالم العربي وبين ما جرى في البرازيل . ومن العبارات الشهيرة في المسلسل السوري الساخر ( غوار الطوشة ) الذي كان يبث بالأبيض والاسود قبل ٣٥ عاما ” أنك إذا أردت ان تعرف ما يجري في بلادنا فعليك أن تعرف ما يجري في البرازيل “.

إنها عبارة صالحة لهذا الزمن لكن مع تعديل في الصيغة يقول ( إذا أردت ان تعرف عن أهوال الفساد عند العرب عليك أن تعرف عن ضآلة الفساد في البرازيل ) ، في الأسبوع الأخير أقال البرلمان البرازيلي رئيسة البلد القوية ( ديلما روسيف ) بتهمة الفساد ، . ولو أن المسكينة ديلما بنت عرب ورئيسة في بلاد العرب لخرجت المظاهرات تحملها على الأكتاف وربما سُميت بالمرأة الصالحة ، لأن ما فسدت به لم يكن سوى اتهامها بأنها ” تلاعبت بحسابات حكومية من أجل ان تنفق المزيد على الخدمات للناس حتى يعيدوا انتخابها في عام ٢٠١٤ “. أي أن روسيف لم تسرق أموالا عامة ولا هرّبت مليارات إلى خارج وطنها ، ما فعلته انها تلاعبت بالنفقات العامة من أجل مد طريق أو أعمدة كهرباء أو مواسير مياه لأحياء شعبية تخدمها في حملتها الانتخابية ، بينما كانت هذه النفقات مدرجة لأعمال أخرى في الموازنة الحكومية .
عجباً يا شعب البرازيل ..هل هذا يحسب فساداً !؟. تعالوا وشوفوا في بلاد العرب أوطاني .. الم تسمعوا باخر (قصص الغيلان والحيتان ) التي كشف عنها وزير مالية العراق هوشيار زيبارى وفي نفس الأسبوع الذي اطيح به برئيسه البرازيل !!.
زيبارى أعلن أمام مجلس النواب ، كوزير للمالية ، أن ” مسؤولا سياسياً قام بتهريب ٦ مليارات و ٤٥٥ مليون دولار إلى الخارج ( شوية ترمس ) وأنه هدد بأنه سيكشف ما بحوزته من وثائق وملفات تثبت تورط سياسيين آخرين بالفساد المالي .
مرة أخرى إذا أردت ان تعرف ما يحدث في بلاد العرب عليك أن تعرف ما يحدث في البرازيل . هناك في ذلك البلد البعيد يُطيحون برئيستهم لانها بدلت أبواب الصرف والنفقات ، وفي بلادنا حيث يحرص المسؤولون على إطالة اللحى وعلى الصلوات الخمس وتشكيل أحزاب باسم الله وباسم الرسل والصحابة والأولياء ، يقوم المسؤول بتهريب ٦ مليارات وشوية مئات من الملايين لحساباته الخاصة بينما شعبه يعيش في المخيمات ومدنه بدون ماء وكهرباء !. ثم بعد ذلك يزعمون بانهم يحاربون داعش والإرهاب فهل هناك إرهاب أكثر من سرقة البلاد والعباد وعلى رؤوس الأشهاد ( هناك تقرير عالمي يقول بان الفساد في العراق ابتلع اكثر من ترليون دولار ببطون المسؤولين وهو اكبر فساد في التاريخ ). اين الفرق بين داعش اللي سرق ارصدة بنوك الموصل وبين ابو ال٦ مليارات ؟! . الله أكبر هل هذا معقول ان يحدث في بلد يزعمون انه ( دولة القانون ) ! وفي القرن الحادي والعشرين وبعد حرب مستمرة في العراق وضدشعبه منذ عام ٢٠٠٣ حرب قتل فيها اكثر من مليون عراقي وهجر الملايين بزعم تحريره من الديكتاتور !؟.
في بداية الربيع العربي قرأت وسمعت من محللين وخبراء بان احد اهم اسباب ظهور الربيع العربي هو الفساد . صحيح ان الشعوب رفعت شعارات الحرية والكرامة لكن اصل الحكاية هو الفساد المالي حيث قام المسؤلون بتهريب اموال شعوبهم وتراكمت ارصدتهم الى مئات وعشرات المليارات ، بينما انتشر الفقر والبطالة ، وشاع الظلم وهدرت كرامة الشعوب بعد سلبها ابسط حقوقها وهو حق العيش بخيرات واموال بلادها .
الفساد سرقة ، والفاسد سارق ولص ، هذا مكتوب في سجلات الأديان والتاريخ البشري منذ ان كان هناك حكام ودول وديانات . وفي القران الكريم يقول اخوة يوسف ” تالله لقد علمتم ما جئنا لنُفسد في الارض وما كنا سارقين ” وذلك عندما اتهموا بسرقة بعض ما في خزائن مصر . وفي الاسلام ارتبط الفساد بالممارسات الاقتصادية والتجارية التي تتعلق بمصالح الناس ، يقول تعالى ” يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين “. وعن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ” انه لا يبقى مع الفساد شئ ولا يقل مع الاصلاح شئ “. اي بالفساد تفقر للشعوب وفي الاصلاح تكثر الخيرات والنعم . فلا اصلاح بوجود الفساد ، وفي قول للامام علي كرم الله وجهه ” لم يكن الفساد سُلماً الى صلاح قط “. .
في البرازيل اسقط البرلمان رئيسة البلاد المنتخبة بصناديق الاقتراع بتهمة فساد اداري لا مالي ، وفي بلاد العرب تستخدم صناديق الاقتراع من اجل الوصول الى السلطة ليس لهدف خدمة الشعب ولكن لتكون السلطة اداة للثروة التي تستخدم بدورها لتكريس السلطة ( كما كتب المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري ).
ليحفظ الله للبرازيل ديموقراطيتها ، والله اكبر على الفاسدين والمعتدين على اموال شعوبهم فكل هذا الخراب في بلاد العرب هو حصاد الذين افسدوا في الارض . ولا اجد في وصف ما في العراق من احوال ، خاصة الحرامي (ابو ال ٦ مليار ونصف ) الا قول من قصيدة للشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد :
يا أيها العرب المستأصلات بهم
شأفتهم حد لا عرق ، ولا عصب
أفرقة ، واقتتال ، وانهار دم
فأي اثم لديكم ليس يرتكب ؟!.
لقد ذبحتم طوال الدهر انفسكم
فأدركوهن يوماً أيها العرب ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى