
معارضةٌ أم مهاترةٌ في الخارج
ممنْ يُسْمَعُ لهم على منصات التواصل الاجتماعي نفرٌ مجهولون يكثرون الأحاديثَ المحشوة قماءةً وسفسطةً ، وكلٌّ منهم يدَّعى وطنيةً وانتماءً وكأنهم منقذون لسفينة أوشكت على الغرق بفعل ركابها ، فمن أراد الإصلاح لا يدَّعى بطولة لم يلجْ إلى نقعها ولا يزعم أسمارًا وأباطيلَ لم يكنْها ذاتَ يوم ، من يقفز بلا تاريخ سياسي أو تدريب فكري إلى حلبات الرجال سيسقط حتما تحت سنابك الخيل مصروعا لأن روؤس الجبال لا يألفُها إلا صقورُها ، هل هي معارضة أم مهاترة أقرب إلى حلومِ الصغار ، ولا ريب أن الثانية أكثر دلالة عن الحالة المنظورةِ وقد تسعفنا معجمات اللغة في المعنى ( فالهتْرُ حمق وجهل ، وأفقده عقله وصيره خَرِفًا ولا يبالي بما قيل فيه ، وسابَّه بالباطل ، وتهاترا ادَّعى كلُّ واحد على الآخر باطلا فسقطت شهادتهما ، والمهاترةُ القول الذي ينقض بعضه بعضا والباطل والكذب) ، هذا ما تقوله معاجم اللغة عن مصطلح المهاترة ، ولقد وجدته أقربَ للدلالة إلى ما يتلفظ به أولئك الذين زينت لهم أنفسُهم كلامهم كذبا وبذاءة تشفُّ عن جهل معرفي وإفلاس أخلاقي ، فيقذفون الناس بالباطل ويأكلون أعراضهم وقد انتهَوا إلى فضح بعضهم بعضا بكل ما أوتوا من ابتزاز وألفاظ ومصطلحات يخجل أهل الشرف عن ذكرها أو سماعها ، وحينئذ يتبين لِـمَـنْ يسمعهم أنهم متهاترون يبسطون أيديَهم بالسوء جهلا ، فَـيُـتَحَـسَّرُ عليهم ألهذا الحدِّ وصلت بهم الجهالة ! ولو أنهم تشرَّبوا منهجية الثقافة الأخلاقية لما بقَوا في الدَّرك الأسفل من الضحالة الوطنية .
من يريد أن يصلح وطنه لا يحمل مشعلا ليحرق الزرعَ ، ومعولا ليهدم جدران بيته ، ويبث على الملأِ أحطَّ ما في المستنقعات من كلمات بذيئة ، الإصلاحُ يكون بالكلمة الحسنة والسلوك الحسن والمجادلة فكرا ، والمعارضة لا تكون انتقاما شخصيا من عدو وهمي بلا دليل ، وهي بالضرورة ليست نفَخَات نرجسيةً لتضخيم الأنا الساقطة في وحل العظمة الفردية ، مَـنْ يعارض أهلَه لا يخرج خارجَ أسوار بيته ليقذف نوافذه بالحجارة ويومئ لغيره بصنيعه المخزي ، من يعارض بشرفٍ يبقى في بيته وينصح ما وسعه النصح باللسان والبيان ولو بأضعف الإيمان ، الفساد المالي والسياسي معشعشٌ في نفوس كثيرة لكن ذلك لا يعني السعي لخلخلة أركان الدولة ومؤسساتها بإشاعات كاذبة ، إن الحق يقتضي المواجهة والمكافحة مباشرةً ، فمن مطالب المصداقية المواجهة والصدق وعدم اليأس، فلا زال الباطل في صراع أبدي مع الحق منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل ، وقد قال قولته القرآنية (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، ولا خير فيمن لم يقلْها ، فمن أرادَ الإصلاح لا يهرب من ميادين الحق ولو ارتقى شهيدا أو عاش سجينا ، قد تضيق أخلاق الرجال لكنهم لا يبيعون مرابع الصبا وأحلام الطفولة وعتق الصداقة ، ولا نعلم معارضة خارجيةً نجحت إلا باستعانة من عدو مغرض ، الاستعلاء على الناس بفيدوهات فارغة من كل معاني التضحية لا يصنع إلا أوهاما ، وقد سقطتم في فتنتكم قبل أن تخطوا خطوة واحدة نحو بطولاتٍ لم نرها إلا على ألسنتكم ، فالشعارات المهترئة وحدها لا تسقط دولا ولا تهز أسسا ومن يتمرد على أهله سَفَهًا سيتعثر في ثوب أكبر من حجمه قد لبسه حمقا ليصبحَ أضحوكة على شوارب الرجال ، وعلكة تُـمْـضَـغُ ثم يلقى بها في مكانها الحقيقي ، إن ما تقومون به مهاترةٌ غلمانية وليست معارضة واعية ؛ لأن مَنْ يعارض يمتلك برنامجا إصلاحيا متكاملا وفكرا محكما يقنع الناس جميعا ، فالغضب الصبياني أولُه جنونٌ وآخره ندم ولم يبق شيء تخسرونه إلا بقايا إرثٍ عائلي كريم واسم الأردني الشريف لعله يمنعكم من التمادي بالباطل والتطاول بالشتم والطعن في الأعراض وكشف ما ستره الله منها ، وقد ذكرتموني بالمثل الشعري :
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمِلْ ما هكذا يا سعدُ تورَدُ الإبلْ