حبة صراحة / د. منصور عياصرة

حبة صراحة
لم ينم ليلتها، طلب مستشارين وأعوانا ، كتبوا له كلمة الافتتاح، تدرب عليها عدة مرات، ثم طلب مكبر صوت، لكي يعيش الأجواء نفسها، زوجته وأولاده أصابهم الصمم من ارتفاع الصوت ، وصفير السماعة، هُرع إلي الجيران يستطلعون الخبر، سألوا: خير؟ حلوا المجلس ؟! ،، ول من أولها بعدنا ما “تشفينا” بالناس، طمأنهم ابنه الصغير قائلا بصوت يشبه أصوات أبناء الذوات: شو حلوا المجلس ، شو هالفال، هذا الوالد يتدرب على كلمة الافتتاح. عادوا على استحياء يدعون الله له بالتوفيق.
في الصباح الباكر انطلق به السواق إلى عمان، كان يفكر في الكلمة النارية التي سيلقيها، وزوجته وأبناؤه والمحبون ينتظرون على أحر من الجمر، قال في نفسه : لقد صَدَقني الناخبون، ومنحوني الثقة، سأكون معهم صادقا، لكن ما السبيل إلى الصدق؟؟!! كيف سأضمن لنفسي ان أكون صادقا صريحا دون محاباة أو كذب؟؟! .السيارة تسير كالسهم، مروا بقرب صيدلية، فجأة قال للسواق: قف عند الصيدلية، فتح الباب وترجل، قال السواق: آه تريد ريفانين الله يعينك على الصداعات القادمة، أنا آتيك بالريفانين قبل أن تقوم من مقامك ، قال له: لا لا، أنا خادم الشعب وسأحضره بنفسي، فأنت شعب وأنا الخادم، افتخر السواق وازدهى، وعرّش خلف المقود وشعر أن له مكانة عالية.
دخل الصيدلية وقال للصيدلاني: أريد باكيتا من حبوب الصدق والصراحة. قال الصيدلاني مندهشا: باكيتا كاملا؟؟!! الحقيقة لم يبق إلا شريط واحد، فهذه بضاعة نادرة، ومحظور بيعها أصلا، قال : هات الشريط. ودفع الثمن مسرعا، وخرج ،لحقه الصيدلاني صارخا: لا تأخذ سوى نصف حبة في اليوم هذا علاج ثقيل.دخل السيارة ، وفتح أربع حبات وشربها دون ماء، وانطلق السائق، وصلوا المجلس، بدأت الكلمات جاء دوره، خرج إلى المنصة مرتبكا، أخرج ورقة من جيب الجاكيت بحركة مرسومة ومُعدّة سلفا، فجأة مزق الورقة والزملاء يضحكون . التلفزيون الرسمي، لم يظهر هذه اللقطة إلا بعض القنوات التي توصف بأنها ذات أجندة خارجية. بدأ الخطاب:
معالي الرئيس، أعلمُ أنك بائس مثلي تعيس، إن الذي أتى بك أتى بي!!والمفروض أن خطاب الزملاء كخطابي، تعلم معاليكم أننا لا نبحث عن وطنية،بل عن فوائد شخصية، لا يغيب عن عنايتكم أننا لا نبحث عن مصلحة البلاد،ولا عن مكافحة الفساد، بل عن موائد رسمية، و مناسف باللحمة البلدية، لا نبحث عن الحياد، نبحث عن المناصب وأن ننفش ونزداد، فالمكاسب خير زاد، لا يغيب عمّن فوقَكم وعمن تحتَكم أننا أُتي بنا إلى هنا،لا لنبحث عن مصالح العباد ، بل عن العطاء والمزاد، وعن رصيد البنوك ( لا الشعب ، وهذا هو المراد )، ضحكٌ ، وفوضى في الشرفات، بعض النواب المخلصين يُسمع صوتُه من بعيد: لويش (الفلفسة)، أي اقعد عاد ، اقعدي قصدي اقعد ، مخلي حالك عنترة بن شداد، يُقرع صوت كالطبل كمطرقة القاضي، ويَخرج صوت مُضخَّم له نبرة مسؤول فهمان :سعادة الزميل، لك الويل، ما هذا الإسفاف والميل؟؟!، احترم المجلس أو اخرس، احترم الموقف التاريخي،، أو سأضطر إلى إخراجك إلى العبدلي أو سقف السيل! !!!
يعتذر ثم يتوجه بالحديث إلى شخص غريب، وحوله مجموعة من ذوي ربطات العنق الحمراء، يقول له:دولة الرئيس،أعوذ بالله منك قبل إبليس، (يَحدُث ضحكٌ وفوضى، ويُسمع صوت المطرقة، فيعتذر ثم يتابع الخطاب):
رئيس الحكومة، مع حفظ الألقاب، تعلم تماما أن أبناء العصبة والعمومة، أتوا بي إلى هنا. لأني أنا من يعمل على المكاسب والهنا، والعمل على المال الأسود والأصفر والبيج والغنى، وأعاهدكم وكما خطَّطتِ الحكومات الملهمة المتعاقبة، على أن أنسى الوطنا، فهو ليس لي سكنا، وكما أردتم، إن مهمتي أن أمهد للكنفدرالية، للوطن ( الثقيل) وأن أنسى الأقصى العليل. وكل سبيل للقدس أو يافا أو الجليل ، ولا حتى الخليل، تعلمون أن الأمر دُبّرَ بليل،، و(العَمرو) ليس في ربيع العمر، وزعيتر ،اطمئن، الحديث عنهIater، والدقامسة ، اطمئن ، أقصد اطمئنوا، ذكرى دامسة، وقضية طامسة، والحديث عنه من الطوابير الخامسة، فنحن دوما في ظرف استثنائي وحالة خاصة، وفترة ( فاصّة).
أيتها الحكومة، لستِ الملومة، ولست أنا المشرع ولست المحاسب، لست المؤخر ولست المُسرع ولست المراقب، ولست المدافع ولست المحارب، أنا الصاحب واللاعب والناعب ، والتائب ولست النائب، أفتح اليدين و الجيب، لأحظى بالوصل والتقرب، وأنسى الدِّين والدَّين والترهل والتسيب، بَدَّلوا المنهاج، فسِر دولتكم على منهاج الشيطان ، وانسَ الشعب والأوطان، وأرخص شيء ، كما تعلمون، في بلادنا الإنسان، سنتعاون، سلطتَنا وسلطتَكم بعد أن تسلطنا على الناس ، على الشر والعدوان.، وعلى الطغيان وضياع الحق والميزان،. إخوة الشيطان، أوصيكم ، ليستْ 111، زاااد العدد . فالمدَدَ المدَدَ، ثقة بالإجماع، والصوت يشرى ويباع. والفنادق خير متاع، وشكرا على حسن الاستماع، فجأة تطير (كندرة) باتجاهه،، هرج ومرج. لَغَط… سُباب، يقول أحدهم : فَضحْت المستور يا ثور، أي اقعد يا يا يا قرد. أبوك ع بو اللي انتخبك وشافك هيك ول ما عندك إيتكيت، أي هيك بحلوا المجلس يا مخلِّص، ول اصبر شوي. تا نشرب مي. ثم يُسمع صوتُ عياراتٍ نارية وصُراخ.
د. منصور عياصرة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى