تعديلات «العمل» ضربة لدولة الإنتاج / سلامة الدرعاوي

تعديلات «العمل» ضربة لدولة الإنتاج

نَشعر في كثيرٍ مِن الأحيان أن مؤسسات الدولة تَعمل بِلا عِنوان، وهي كذلك فِعلاً، لِدرجة انك تَرى أن كُلّ جِهة تَسيرُ لِوحدها بإجراءاتٍ وخطط بِمعزل عن الجهات الأخرى وكأن كُلّ واحد منهم يَعيش في دولة.
مَشروع قانون العمل الجديد، الذي أقرَّه مجلس النوّاب مؤخرا فيه ضَربة موجعة للخطاب الرسميّ بتعزيز دولة الإنتاج، وفيه ازدواجية في المعايير، لِدرجة انك تشعر فيها بتضارب المواقف بين ذات المُشَرِّع، وتذهب إلى ابعد من ذلك، فلا تعرف هل نحنُ باتجاه إصلاحات عصريّة مُتقدمة تُحاكيّ ما هو موجود في أوروبا، أو أننا باتجاه تكريس ثقافة الكسل والخمول.
التَعديلات الأخيرة في مَشروع قانون العمل فيها من الفاعليّة العماليّة التي تتناسب مع دول مثل الاتحاد الأوروبيّ أكثر منها مع الأردن، الدولة التي هي اليوم بأمس الحاجة إلى رفع الإنتاجيّة العماليّة وإعادة صَقل الطبقة العاملة في القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء.
أبرز التَعديلات، هي رفع الإجازات السنويّة للعامل إلى 24 بدلا من 21 يوماً للذي امضى خمسَ سنوات ومن 14 إلى 18 للذي خدمته أقل من ذلك، والحقيقة المؤلمة أن مُعظم العاملين أو الموظفين الأردنيين يَعملون ضمن أقل مستويّات وساعات العمل المطلوبة، فمن يصدق أن العامل الأردنيّ يحظى بـ 104 أيام عطل «أيام الجمعة والسبت» في العام، يُضاف إليها شهر إجازات سنوية بموجب التعديلات الأخيرة المُقترحة، ناهيك عن 20 يوما من العطل الوطنيّة والدينيّة، بمعنى أن العامل الأردني يحصل على 154 يوما من العطل في العام الواحد، أي أنه يقضي أكثر من 40 بالمئة من العام في إجازات رسميّة غير تلك القسريّة والمرضيّة.
من التعديلات المُثيرة للجدل أيضاً، إلزام القطاع الخاص بإيجاد حضانات أطفال للعاملين لديه، وهو أمر فيه مخاطرة كبيرة على الأطفال في المُنشآت من عدة نواحٍ، ناهيك عن المسؤوليّة القانونيّة والصحيّة التي ستترتب على أرباب العمل، إضافة إلى الكُلّف الإضافيّة على المنشآت.
رفعُ التعويض الماليّ في حالات الفصل التعسفيّ إلى راتب شهر دون تحديد السقف الأعلى وبحد أدنى أربعة أشهر، ما يرفع كُلف التعويض دون حدود قانونيّة، وهو أمر لا يتناسب أبدا مع واقع الشركات ولا مع الأنشطة الاقتصاديّة الراهنة التي تتسم اليوم بالركود غير المَسبوق.
طبعاً هُناك الكثير من التَعديلات التي اقترحتها لجنة العمل في مجلس النواب على قانون العمل مثل عقود العمل ومكافآت نهاية الخدمة والعلاقة مع النقابات العماليّة وإجراءات الانتساب لها وغيرها من التَعديلات المُثيرة للجدل في الوقت الراهن.
بعض التعديلات أعطت صلاحيات كبيرة للحُكومة في التدخل في شؤون النقابات، وحرمت الكثير من القوى العاملة من الدفاع عن حقوقها لأنها خارجُ انتساب النقابات التي هي أصلا لا تَضم في عضويتها سوى 65 ألف مُنتسب من أصلا 2.5 مليون شخص هم القوى العاملة في المملكة.
الحقيقة أن جميع التعديلات المُقترحة على قانون العمل هي جزء من منظومة حقوق العامل الأساسيّة ولا خلاف عليها أبدا، لكن حقيقة تطبيقها في الوقت الراهن هو أمر مستغرب ولا يتسم بالمنطق.
فالأساس في قانون العمل أن يكون مُرتبطا بالعمليّة التنمويّة، وأن يواكب السياسات الرسميّة والإجراءات المُتعلقة بتحفيز الاقتصاد ورفع الإنتاجيّة للعامل الأردنيّ للوصول إلى نسب نمو اقتصاديّ مُستدام قادرة على النهوض بالأنشطة الاقتصاديّة وتدعم جهود أرباب العمل في توسّيع أعمالهم وبالتالي المساهمة في زيادة فرص العمل ومحاربة الفقر والبطالة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى