هزيمة العربي و هاريس الأمريكي / قدموس المجالية

هزيمة العربي و هاريس الأمريكي

رُبّ قراءة أغضبتني فجعلتني أكتب مقالاً ..حين شاهدتُ بالصدفة أحد العلمانيين العرب وسأسميه ” هزيمة ” بدلاً من اسمه الحقيقي..يقتبس مقولة لـ ” سام هاريس ” على حسابه في الفيس بوك والمؤمن بها حد النُخاع ..والمقولة تقول :
” منطقة واحدة من مدينة نيويورك وحدها قدّمتْ من العلوم والفنون والآداب ما لم تقدّمه الحضارة الإسلاميّة بأكملها” !
.
هزيمة و هاريس لمن لا يعرفهما ..أقول لهم: لم يفتكم الكثير
كلاهما علمٌ لا ينفع وجهل لا يضرّ!..ولمن تملّكهم حُبّ الفضول أقول:
” هزيمة ” مراسل صحفي عربي يعيش في أوروبا حسب سيرته الذاتية ..والمنشغل ليلاً ونهاراً بعلمانيته وليبراليته وخيبته.. لا في الكتابة عن أقنعته الثلاثة بل في الحقد والتهجم على ” الإسلام ” من شتم لعلمائه ونقد لسننه كالأُضحية ..ونعت العبادة في الكعبة بعبادة الحجر والاحتجاج على رفع الأذان بمكبرات الصوت وغيرها الكثير..علماً أنه لا يرى ولا يسمع منها شيء حيثُ يعيش ..ولكن هذه سنة الحمقى وإن شابت رؤوسهم..!!!
.
أما “وسام هاريس” : فهو عالم أعصاب أمريكي شهير..ولكن شهرته لم يحققها في مجال الأعصاب وإنما في مجال الإلحاد..فهو أبرز الملحدين الجُدد ومنظّريهم..له أربعة كتب أشهرها كتابه الأول ” نهاية الإيمان “..ولأنّ الحقّ يُقال فإنّ مشكلة هاريس ليست مع الإسلام تحديداً كحال هزيمة ..وإنما مع الدّين بشكل عام..سواءً دين والدته اليهودية..أو دين والده الكاثوليكي.!!!
وليس هدفي هنا مناقشة سام هاريس في إلحاده بل مناقشة هزيمة في جهله ..لأن المرء الذي لا يقنعه الجهاز العصبيّ في الإنسان بوجود إله لن يقنعه مقال..!!!
.
وبالعودة إلى المقولة ومُقتبسها المؤمن بها ..من الواضح أنّ هزيمة و هاريس يُعانيان جهلاً مركّباً…والجهل بالمناسبة نوعان..جهل بسيط وجهل مركّب..والجهل البسيط هو أن لا يملك الشخص معلومة عن أمر ما..كأن لا يعرف أن عاصمة الأردن هي عمان ..أما الجهل المركّب فهو امتلاك معلومة خاطئة عن شيء ما..كأن يعتقد أنّ عاصمة الأردن هي القاهرة.. والجهل المُركّب في حالة صاحبينا هزيمة وهاريس أنّهما يعتقدان أنّه يصحُّ المقارنة في كميّة الاختراعات بين أُمتين ليعرفان أيهما أكثر مساهمة في التراث الإنساني بمعزل عن الزمن الفاصل بين وجودهما!…فعلى سبيل المثال..إذا قمنا بمقارنة الحضارة السومرية بنتاج الأمم ومخترعاتها اليوم فهي شيء غاية في البساطة والسّذاجة.ولكن حين نقارنها بالأمم التي عاصرتها فهي تُعتبر من أرقى الحضارات الإنسانية!
لهذا ما كان على هزيمة وهاريس أن يُقارنوا بين نيويورك اليوم وبغداد قبل ألف عام..كان عليهما أن يخبرونا عن مستوى أوروبا العلمي مقارنة ببغداد قبل ألف عام! وذكرتُ أوروبا لأن هزيمة يعيش فيها وأميركا التي يعيش فيها هارتس كانت وقتها نسياً منسياً!..وليس من العدل أن أسأل هزيمة لأنه عربي زإن كان بالهوية فقط ولكن سأسأل هاريس قائلاً: عندما كان المأمون يعطي وزن الكتاب المترجم ذهباً قبل ألف عام..بكم كنتم وقتها تشترون الكتب المترجمة في أوروبا ونيويورك؟!!
.
الأمر الآخر ..نسيَ هزيمة وهاريس شيئاً مهماً..وهو أنّ المعارف الإنسانيّة معارف تراكميّة..فكل جيلٍ مدين للجيل الذي قبله بشيء من حضارته..فالبشريّة لم تخترع طائرات البوينغ مرة واحدة..ولكنها كانت نتاج خبرات إنسانية بدأت بمحاولة عباس ابن فرناس إلى أن وصلت للأخوين رايت..وهي لا تزال في تقدم مستمر!..ولم تخترع شركات سامسونغ وآبل هواتفهما من الصفر..وما كان ليحدث هذا لولا أنّ غراهام بيل اخترع الهاتف أولاً..كذلك علم البصريات وعمليات العيون المعقّدة اليوم كلها مدينة لابن الهيثم وغيره..وعلم الطّب اليوم مدين لابقراط وابن سينا وغيرهم!…حتى السّيارات التي نركبها اليوم أخذت فكرة الإطارات من العربة التي تجرّها الخيول..كذلك الأقمار الاصطناعيّة اعتمدت على فكرة دوران الأرض التي حُوكم لأجلها “جاليلو جاليلي” في الكنيسة..!!!
خلاصة الحديث
أتفق مع هزيمة وهارتس وبلا شك أن ” أوروبا وأميركا ” متقدّمات مدنيّاً وإن كانتا متخلّفات أخلاقياً..ولكن أوروبا و أميركا ” ومن قبلها ومن سيأتي بعدها مدينون لكل الذين كتبوا حرفاً..أو خطّوا كتاباً..أو اخترعوا دواءً..ولم يبدأ أحد من الصّفر إلا أبونا آدم عليه السلام
والسلام عليكم ورحمة الله ..!!!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى