نرد المسجد عطشى وماء الزير بالكاد يروينا / د . م حكمت القطاونة

نرد المسجد عطشى وماء الزير بالكاد يروينا.
درس مبكر في الإسلام السياسي!.
قصة قصيرة.
وكنا صغارا في مدارسنا وكانت امتحانات الصيف والربيع تجري تحضيراتنا لها بين حقول القمح ووارفات ( البطنان )، يحمل كل واحد منا حلمه- كتابه في يمينه وفي جيبه كيس بلاستيكي مربوطا بخيط ليكون دلوا ينفع حين العطش، ففي الدروب الترابية ثمة آبار حفرها الأجداد من روما إلى الحج محمد رحمه الله خبير وحفار آبار.
نبتعد على الأقدام في السهول وبين الحقول، أحيانا يتأبط بعضنا رغيف خبزه متعرقا بعرق أباطه، يلتقط بقلا ويغتذي من خشاش أرض الأجداد وضيق ذات العيش ونفاذ ما بين اليدين وشح في مونة الدار، ضيق في الفناء ،عوز في الغرف والنور ليلا إلا من فنيار هندي أو بنورة تركية تهز شعلتها الرياح والنسائم وأنفاس الصبية حولها متكورون كأنهم من أبطال مسرحيات هوفمان، يتقاتل عليها الإخوة كما كرسي السلطان في هذا الزمان وأحيانا العطب والكسر مصيرها نتيجة صراع الصبية – الديِّكة،
يقرأ النجيب المحفوظات بين حقول القمح غيبا : وعظ البحتري إيوان كسرى…
وماشيا مع قبرة خافت من دابة الأرض أن تؤذي فراخها فراحت تنوح في أعالي السماء وطيور الحمري و( ملاهي الرعيان)

يقرأ غيبا : بلاد العرب أوطاني أو من كتابه الذي بيمينه ماشيا ودرسا في الحرص والنباهة في الصفحة السابعة والعشرين من قراءة الصف الرابع باحث عن ماله الدفين لم يجده وإشارته سحابة كانت تظله كما الوطن اليوم بلا معالم أو إشارات، فيجيبه حكيم على سؤاله ( يا مسكين لقد أضعت مالك !).
حين تجف الآبار كانت قرية وادعة من أربعة بيوت من الطين والحجر تبعد بضعة كيلومترات عن منازلنا وفيها مسجد طيني أيضا أو مُصلى فيه بئر وزير، يتصارع عليه شيخان كهلان أو طاعنان، كل منهما يبتغي الإمامة ورفع الأذان طمعا في وظيفة الأوقاف أو بشارة قادمة من عمان .
نرد المسجد عطشى وماء الزير بالكاد يروينا، فيهب كلاهما أو أحدهما يطردنا ويذب عن بيت الله بالحجارة والشتائم أحلاها تحت الحزام ومساحة ما بين وركي والدة الصبي العطشان.
أخيرا اكتشفنا صراعا مريرا بينهما على السلطة، ففكرنا باستغلال هذا الصراع وتدبرنا فكانت حيلتنا شهيد هبة نيسان المجيد ابن العم يعقوب القطاونه.
رحم الله شهيد المجد يعقوب، كان طويلا وسيما رجوليا يسبقنا بصف وصفين في المدرسة وكان أخوه الأكبر علي جنديا في سلاح الجو في عمان، يُغدق عليه ببعض الملابس أو الجاكتات النصف عمر فيبدو جهما ورسميا واقرب إلى رجل الدولة الموظف من طالب الإعدادي أو الابتدائي والشوارب ( خط أقلام… ربي يرحمك يا يعقوب وحسبي الله على من قتلك في نيسان صائما متوضئا موليا وجهك شطر المسجد قبلتك).
يعقوب …. هي… ياه… يا يعقوب ! ، تصدق علينا إنا نراك من المحسنين !؟
فيلبي النداء مخفيا كتاب الدين في سرواله أو تحت حجر قريب ويمضي منتصب القامة يمشي ونحن نسبقه وعن يمينه وشماله نصيح هي موظف الأوقاف جاء من عمان…. فهب إلى ملاقاتنا مرحباً عبدالرحيم مستغلا غيبة عواد على غير عادته فيبدأ يعقوب متصنعا وقارا بالسؤال عن أحوال المسجد وانتشار الإسلام والفتوحات في القرية ؟
فيبدأ عبدالرحيم يَقْصُص رؤياه على يعقوب : ما قبل الفجر يا بيك… والله العظيم ثلاثا يا بيك ، صليت ركعتين قيام، ولما سجدت في الثانية ( غودنت ) أي دُخت أو غفوت وفي الرؤيا سلمت صوب اليمين – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإلا عبد الله بن عمر رضي الله عنه على يميني ويقول : أنت يا عبدالرحيم من عباد الله الصالحين لكن لعن الله عواد سَرّاق أباريق المسجد.
من هاتيك اللحظة عرفت مبكرا أن الدين إذا ما أُسيء استخدامه ولوينا عنقه طلبا لمصالحنا وقفازا للتمكين فإنه يصير بضاعة مزجاة وسلاحا لإقصاء الآخر للإنفراد في الغنيمة وبئس الغنيمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى