ذكريات من الجامعة الأردنية …./ منصور ضيف الله

ذكريات من الجامعة الأردنية ….
من كلية القدس إلى جامعة اليرموك ، هكذا بالصدفة وجدتني طالبا في قسم اللغة العربية ، كانت رحلة ممتعة ويسيرة ، فجل الطلاب والطالبات يأتون من الأرياف ، يحملون بساطة قراهم وطيبتها ووداعتها ، وينتظرون غدا لم تبن ملامحه بعد . هناك زاملت الشاعر علي النوباني ، وكثيرا ما اقتحم شقتي في مساءات أربد المعتقة حيث النوافذ تناجي كروم الزيتون واشجار التوت العملاقة . تحت الأرض ، في تسوية بيت الأنسان الدكتور عبدالله درادكة ، انيسي كتابي ، ورفيقي جوعي ، ووجعي فقري ، يومها لحظ الطبيب التزام البدوي النحيف ، ومواظبته ، فحاز اعجابه ، وكثيرا ما منحه الدعم النفسي والمعنوي .

الدكتورة مها العتوم ظلت خصمي العلمي ومنافسي ، ومن غرائب الصدف أنني لم التق بها إلا في الفصل الاخير ، كانت تقرض الشعر ، وتنشره في مطبوعات الجامعة ، حينها اشتعلت في رغبة جامحة في تسديد الحساب ، ونجحت .

دخل على خط التنافس طالبة مميزة ، كانت تتمتع بعقلية علمية فذة ، وكثيرا ما توصلت إلى استنتاجات علمية جديدة لم يشر لها دارس من قبل ، وكان الدكتور يقر بذاك ويعجب. غاب الجميع ، وغابت اليرموك ، وظلت الذكرى تخرق عالم النسيان ، وتشعل الضلوع بصور قديمة لها طعمها اللذيذ ، ونكهتها الفريدة .

ذات صباح مشمس صرت طالبا في الجامعة الاردنية . في الانتظار الدكتور محمود إبراهيم ، وليد سيف ، نصرت عبد الرحمن ، هشام ياغي ، وسواهم من شيوخ الأدب الأردني ، وفيها زاملت كثيرا ممن هم الان عمداء ومدرسين في كليات الآداب في داخل الأردن وخارجه.

مقالات ذات صلة

وقتها كان معنا علي بن تميم ، الناقد المعروف في شاعر المليون ، نخرج من المحاضرة منهكين ، يعاني كل منا غربته الخاصة ، يخفف من ألمها لسعات الريح الباردة ، وشموخ أشجار السرو ، وحلم النجاح ، وحتى نكسر الصمت ، وقلق التحدي ، كنا نتقارض الشعر ، أقترح الموضوع ، ويبدأ علي ببيته الأول ، فاجيزه ، وبين الرد والأجازة نصل البوابة الخارجية ، يبتلع الظلام عليا ، أما منصور فكان يزحم بمنكبيه الطلبة ثم ينزلق في باص دوار الشرق الأوسط ، ليتحرك بعدها بطيئا في رحلته الأخيرة .

كانت مرحلة معقدة وصعبة ، وكنت أعاني ظروفا إقتصادية صعبة ، دينار ونصف هي مصروفي اليومي ، كان بالنسبة لي مبلغا كبيرا ، ولكنه من جانب آخر تعبير صارخ عن ظلم اجتماعي ، وغبن فاحش يقع على بعض الفئات الاجتماعية ، وعن فوضى في نظام المنح والمعونات الاقتصادية .

لم يقف الأمر عند هذا الحد ، فأكثر دارسي المرحلة العليا هم من خريجي ذات الجامعة ، فطغت العلاقات الشخصية ، وازدهرت الحظوة ، وشاع التبني العلمي ، وها أنا أعترف : لم أجد رعاية وانصافا إلا من بعضهم ، وأخص بالذكر الدكتور ابراهيم السامرائي . فالرجل ذو نصفة وعدل .

الجميع هنا في سباق مع الوقت ، والظروف انتقالية ، ومراكز القوة والنفوذ في تغير ، والجميع يتشبث بمنصبه وامتيازاته ، ازدهرت الشللية ، وتحمست الأغلبية لرؤاها السياسية ، ومارستها من تحت الطاولة أو فوقها ، تلك أمور عايشتها ورأيتها وسمعتها . كانت مرحلة سيئة وعصيبة ، تاه في لجتها البدوي وضاع ، وما تطرقت لهذا إلا لأقول ان أي مجتمع تنخر فيه الفئوية والإقليمية وتسيطر عليه النزعة العنصرية دونما محاسبة او رقابة سينتهي إلى فشل علمي ، ومديونية متزايدة ، وتضخم وظيفي ، ليغرق بعدها في ورطة الضيق ، وليزداد المأزوم أزمة .

واليوم تصلني من كثير ممن زاملوني تحايا ، وأنا أحجم عن الرد لظروف خاصة ، ولكني أوجه لهم -عبر سواليف- دعوة حارة للكتابة عن تلك المرحلة بكل تجلياتها وتفاصيلها ، عما حدث ، وعما وجب ، لعل في ذلك تأريخا لحقبة مضت ، وإضاءة سريعة لصناع القرار عن سفينة الاردن ، ولجج البحر ، واتجاه الريح .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى