لماذا فشل هدم صوامع “العقبة “؟ / عبد الفتاح طوقان

لماذا فشل هدم صوامع “العقبة ” ؟

يقوم المهندسون والمعماريون بهدم المباني المصممة حسب المواصفات العالمية باستخدام متفجرات وذلك للتعامل مع قوة البناء الذي تم بناؤه لتحمل الاحمال والرياح ومقاومة عوامل التعرية والظروف الجوية، والغالبية العظمى من المهندسين يفعلون ذلك بنجاح ودون وقوع حوادث كبيرة او فشل ، و سبق لنا في الأردن التعامل “بالتفجير” مع بعض من مشاريع الطرق في الثمانينات لشق الصخور في الشمال من البلاد تحت اشراف القوات المسلحة و سلاح الهندسة و بدقة عالية.

وللعلم بعد حوادث سبتمبر ٢٠١١ بدء المهندسون في التعامل مع “هندسة الانفجار” وإدخالها ضمن المساقات الدراسية المتخصصة، وفي التصاميم التي يقوم بها الاستشاريون والتي هي مبان مصممة لمقاومة الارهاب والانفجارات وهو ما ساهمت به مع شركة “بيكر” الامريكية في سانت أنطونيو جنوب تكساس في أمريكا بدايات عام ٢٠١٢ وكانت بدايات لهذا العلم الهندسي الحديث.

ولكن في بعض الأحيان، عدم انهيار المبنى عند هدمه باستخدام المتفجرات يحمل معه أسئلة حول العلوم والتكنولوجيا وأخلاقيات المباني من الناحية الهندسية، وهذا ما حدث مع الصوامع في العقبة التي صممتها شركة المانية هي شركة زوبلين لتكون متطابقة مع صوامع الحبوب الألمانية المقاومة للقصف في الحرب، وبالتالي كانت بحاجة الي كميات خاصه وتوزيع متنوع للمتفجرات لتسقط دفعة واحدة، وهي الان بحاجة الي تعامل هندسي خاص حتى لا ينتج لا سمح الله أي حوادث من جهة او تلوث للبيئة من جهة اخري.

مقالات ذات صلة

ما حدث يتطلب فتح باب التحقيق مع الجهة الحكومية التي منحت الموافقة على الهدم باستخدام التفجير، ولم تراع دراسة المبني، واغفلت نوعيته في اهمال واضح للدور الهندسي الفعال في مثل تلك الامور.

و رغم انها مسؤولية المقاول من حيث ضرورة هدم المبني حسب العقد ولكنها أيضا مسؤولية سلطة العقبة والأجهزة الهندسية من اشغال مدنية وعسكرية و تقع تحت اشرافهم و اعينهم و متابعتهم او هكذا مفترض.

وعلى الرغم من أن فشل تدمير المبني و أحيانا عدم سقوطه بالكامل و صعوبة تدميره تحدث لمجموعة متنوعة من الأسباب حيث يمكن تجميع عدم حدوث الانهيارات للمبان إلى ثلاث مجموعات: تلك الناتجة عن مبان مصممة لتتحمل نسب عالية من الكوارث الطبيعية (الزلازل ، الانهيارات الطينية ، الأعاصير ، وما شابه) ؛ مبان مصممة بنسب امان اعلي من المواصفات العالمية لتتفادي أي نوع من انهيارات غير مقصودة (بسبب تلافي أي نقص في درجات التحمل القصوى نتيجة القصف الصاروخي مثلا عند تصميم مبان عسكرية ذات الاستخدام الخاص مثلما حدث في الحوب العالمية الثانية و منها مبان القيادة و السيطرة تحت الأرض مثلا، او تلك التي يراد لها عمر محدد دون أي نوع من الصيانة في مناطق ذات أحوال طقس شديدة البرودة مثل قواعد الصواريخ و التي تعمل عن بعد في النصف الشمالي من الكرة الأرضية أو القاعدة العسكرية الألمانية التي انشئت في الاسكيمو وقت النازية وهتلر والانفاق والمدن تحت الارض) ؛ وثالثا التدمير المتعمد غير المكتمل(بما في ذلك كل من الهدم المخطط له هندسيا او عن طريق الارهاب). كل نوع يثير أسئلة هندسية وأخلاقية مختلفة، إذا كانت ذات صلة.

في اثناء عملي في اهم مشاريع المملكة العربية السعودية وهو الحرم المكي ، التعلية الثالثة ، بكلفة عشرة مليارات من الدولارات كانت اهم مشكله في مدة تنفيذ المشروع هو هدم مئات من المنشات و المبان علي الجبال المحيطة نزولا الي ساحة الحرم بما يشمل ذلك ارتفاعات تجاوزت الستين مترا من الصخور، فكان التدمير بالمتفجرات هو الحل ، وكان يتم باعلي دقة وشروط باستخدام الف و مئتين كيلومتر يوميا من المتفجرات الخاصة التي كانت توضع في أماكن محددة بعد دراسة اتجاهات الرياح يوميا واستخدام المياه لوقف انتقال الأتربة الي المعتمرين. كان ذلك يتم بالتعاون مع وزارة الداخلية السعودية والهيئة العليا لمدينة مكة وبتواجد خبراء عسكريين علي اعلي مستويات الفهم والتعامل مع المتفجرات بكل مسؤولية ومهنية ودون ادني اهمال بترقب ومتابعة بالثانية، وهنا مصداقية وقدرات الخبرات العالمية.

والحمد لله لم نفشل يوما في أي عملية منها، ولكن هذا لا يعني ان هناك منشأت لم ينجح في تدميرها مهندسون ومنها في ديترويت حيث فشل إسقاط بونتياك سيلفردوم القديمة بعد 40 عاما على انشاؤهّ، وبرج ريد بانك في استراليا الذي لم يسقط رغم استخدام 220 كيلو من المتفجرات وبرجين في الصين وغيرهما على مستوي العالم.

الحلول الهندسية متوافره لمعالجة فشل هدم مبني الصوامع في العقبة، ومنها استخدام التفجيرات المضادة او استخدام الوسائل العادية لمساعدة المبني على السقوط بخلخلة أجزاء من المبني، ولكن ذلك يحتاج الي خبرات وكفاءات عالية ومختصون لا مجرد موظفين يمنحون تصاريح دون التدقيق. وهذا يفتح سؤال عما هو نوع الموافقة الممنوحة للمقاول لاستخدام التفجيرات؟ و هل لدي السلطة شجاعة نشر ذلك في وسائل الاعلام ؟، و هل المقاول الذي قام بالهدم مرخص كمقاول ” هدم ” ام مجرد مقاول عهد اليه بهدم الصوامع؟

ولكني اعود مجددا لأجد ان الإهمال ليس مقصورا على الفساد السياسي الذي عصف بالبلاد مؤخرا ولكنه امتد الي أذرع الدولة و أجهزتها و اقصد الإدارية والهندسية منها وتصريح الهدم الممنوح هو احد أوجه التقصير.

واذكر هنا ان الأردن لم يكن الإهمال من قاموسه يوما، حيث اثناء عملي الذي شرفت به في القوات المسلحة في الثمانينات كنت أولا عضوا في اللجنة الفنية العليا في وزارة الدفاع الأردنية التي كان يرأسها الفريق تحسين شردم رحمه الله عليه، حيث كنا نجتمع لنتدارس المشاريع والموافقات الممنوحة لكل الاعمال على مستوي الدولة الأردنية و نطلع علي التقارير الفنية و الهندسية و نخوض في التفاصيل لكل ما يتم علي الأرض الاردنية لتفادي أي حادثة و معالجة أي قصور وللتأكد ان الاعمال تسير حسب الأصول والمواصفات و نتابع أي حوادث اخري. كنا نعرف ونقيس كل حبة من حبات رمال الوطن ونقيمها ونحللها. وثانيا قمت بعمل دراسة ورفع لكل المبان والإنشاءات العسكرية ومخططات كاملة بصلاحياتها ومدتها ونوعيتها و ما تم هدمه و ام سوف يهدم بعد ان وصلتني رسالة من سلاح الهندسة الملكي البريطاني تفيد ان العمر الافتراضي لبعض المنشأت التي قاموا ببنائها في بدايات تأسيس المملكة قد انتهت. اليس غريبا ان الأردن بحكومة كاملة واجهزه متكاملة يغيب عنها نوعية المواد المستخدمة في بناء صوامع الحكومة وتتذكر الحكومة البريطانية منشآت بعد أكثر من خمسين عاما تبعد عنها الاف الاميال؟.

ما حدث هو منتهي الإهمال الذي يحتاج الي وقفة وتحقيق.

واقصد ان الأردن كان دوما سباقا في التشريعات وفي العلم وفي الدقة وفي كل الأمور الحياتية فما الذي حدث؟ هل هناك من يحاول تدميره مثل محاوله تدمير صوامع العقبة؟

اشعر بالحزن والضيق لما وصل اليه الأردن ، فاعذروني عن حديثي.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى