اعفاء موظفي الدولة ” جريمة اقتصادية” / عبد الفتاح طوقان

اعفاء موظفي الدولة ” جريمة اقتصادية ”

أصبح المواطن يعيش في مسلسل يومي يتشابه وما كان يقوم به ” ال كابون” رئيس المافيا في ضف ان لم يكن غياب دولة القانون.

يعيش المواطن مع رئيس حكومة من نوع جديد، تجربة جديدة، كل يوم قصة وكل يوم حدث وكل يوم مخالفة وكل يوم تعدي على الحقوق، وكل يوم الخدمات تزداد سوءا والضرائب تزداد ارتفاعا، ولا رقابة ولا سؤال واهمال تام للرأي الاخر، والحقوق تبعثرت وتبجح حكومي غير طبيعي بالتعدي علي أموال الدولة و التغول علي جيب الشعب.

واقصد انه يجري الحديث في أروقة الحكومة عمن سرب وثيقة بتوقيع نائب رئيس الوزراء عوضا عن التحقيق في لماذا تم اعفاء كبار موظفي الدولة من مبالغ مالية كبيرة من المال العام، كانوا قد تحصلوا عليها بشكل مخالف للأنظمة والقوانين وبسبب وجودهم في المناصب العليا في الدولة.

الحكومة ليست مهتمة بجريمة مالية اقترفتها مخالفة للدستور والتعليمات والأنظمة بقدر ما يهمها وجل حديثها وبغير استحياء دفاعها المستميت عن مفهوم” إخفاء المعلومات عن الشعب “، عن مفهوم ” التغطية على السرقات”، عن مفهوم ” شراء ذمم بعض من كبار موظفي الدولة “، عن مفهوم ” تبرئة المتورطين من الاستيلاء على المال العام”، عن مفهوم ” تقنين أنواع جديدة من الاختلاس الا وهو الاستيلاء على مال من الحكومة بقصد التملك “.

وليس فقط سياسيا و قانونا ان ما حدث هو اتلاف للمال العام و يرد في باب تبرير سرقة المال العام بل أيضا دينيا حيث لا خلاف بين الفقهاء، في أن من أتلف شيئًا من أموال بيت المال بغير حق، كان ضامنًا لما أتلفه، وأن من أخذ منه شيئًا بغير حق لزمه رده، أو رد مثله إن كان مثليًا، وقيمته إن كان قيميًا؛ لأن الأصل في المال العام هو المنع. .

حكومات سبقت حكومة الدكتور هاني الملقي لم تمنع بل سمحت بمد يد موظف الدولة الي الخزينة وحصوله على مبالغ مالية ،تلاها اعفائه من اعاده الأموال المستباحة في عهد حكومة الدكتور الملقي، وبذلك لم تصن الحكومة المجتمع من الفوضى المالية والفساد ولم تدفع بالظلم بل زادته.

ان مجرد فكرة الاعفاء من مبالغ مالية كبيرة ساهمت في تبرئة جريمة اختلاس المال العام ضمن رؤية سياسية تبيح شرعية كل ما تفعله الحكومة وسمحت بنهب المال العام من قبل الغير، وان كان مخالفا للأعراف القوانين والأنظمة والتشريعات ضمن صمت مطبق من مجلس النواب.

وبذلك أصبحت الحكومة شريكة في الجرم وعليه يجب ان تحاسب قانونا امام القضاء على تلك الأفعال حيث واضح هنا عناصر واركان الجريمة الاقتصادية.
.
واعود الي التساؤل اذ ربما تأثرت الحكومة بال كابون رئيس وزراء العالم السري للمخادعة والغش الذي كان “يبيح ويمنع” مد اليد للمال لمن يشاء من أعضاء المافيا والمقربين اليه دون ان يحاسبه أحد؟ فهل انتقلت الصورة بتفاصيلها الي واقع مفترض.

واعود لأؤكد، لقد تم تسريب وثيقة بتوقيع نائب رئيس الوزراء دون مجرد التفكير بأن الفعل عمل مشين، وهنا القصد ليس التسريب للوثيقة هو الفعل المشين، لكن عندما لم تراع الحكومة أنها بفعلتها المشينة تم” تبرئة ” كبار موظفي الدولة من نهب المال العام بغض النظر عن القيمة رغم أن اثنان من كبار الموظفين التزاماتهما وما تحصلا عليه يفوق ستمائة ألف دينار، وكأن الشعب مصنف في الأردن بين “الدرجة الأولى ” و “الترسو”، هذا هو الفعل الناقص بعينه.

الحكومة مطالبة فوار بالإعلان عن أرشيفها السري الذي يحتوي على أسماء كبار موظفي الدولة وقيمة اعفاء كل واحد منهم، وأيضا على الحكومة ان تنتقي من ممارسات الحوكمة الرشيدة، التي تتغني بها الحكومة ووردت في أحاديث الملك عبد الله، ما يكفل ان يقوم ديوان المحاسبة ومكافحة الفساد بالتحقيق الموسع في واقعة “السماح بالإعفاء ” والذي بلا ادني شك هو مثير للجدل وسينتهي الي اظهار حجم المتورطين في الكارثة.

ولعل استجواب في مجلس النواب يلقي ولو بظلاله الباهتة على تلك الأفعال المقلقة علي اقل تقدير هو مفتاح التصحيح لما حدث.

المواطن الأردني هو الشخص الوحيد الذي استنفذت كل مدخراته وتم التغول على جيبه وداره بينما ركاب السفينة الحكومية الأردنية على بعد حوالي ثمانمائة ألف من الأميال عن متطلبات وحاجة الشعب وتطلعاته، وطاقمها يستمتع بالإعفاءات والتبرئة وهم يشاهدون نارا تحرق جسد الوطن التي يطلقها ويشعلها من ينهب أموال الوطن، دون أن يفعل رئيس الحكومة أي شيء حيال ذلك إلا بالتحقيق فيمن سرب وثيقة، ويا ليتها كانت قضية التحقيق في وثيقة وعد بلفور”.

واقصد أن المال العام كل ذمم أفراد الشعب معلقة به، وصور الاعتداء عليه بهذا الشكل مخالف للقانون وسيلحق خسائر فادحة في خزينة الدولة، ويسبب صدعا في استقرار المجتمع الاردني، وهو من أخطر القضايا التي تهدد الأمن – الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي بحاجة الي القضاء ومحاسبة من اتي فعل التبرئة باعتبارها “جريمة اقتصادية”.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى