الدولة العميقة أم الحکومة العقيمة؟ / شبلي العجارمة

الدولة العميقة أم الحکومة العقيمة؟

مزيدُُ من خيبات الأمل ووابلُُ من الإحباط في تشخيص حالة الوطن المسجی في غرفة الإنعاش منذ عهد الروابدة إلی اليوم، وأنا کمواطنُُ أردني ولدتني أمي صالحاً أو علی أقل تقدير في مسماي الوطني بأنني” لست هاملاً“، وها أنا أشارف علی لظم الخرزة التاسعة والأربعين من مسبحة العمر البالية، وما زالت سبحة عمري تمر ما بين إبهام الوطن الصالح وسبابة المسٶول الفاسد، رافقتني أنا وجيل السبعين سينات التسويف بأننا سنرتدي الدشداش الأبيض إبان فترة حکم الحسين کإشارةٍ لنا بأننا سنصبح دولةً نفطية فاحشة الثراء، لکن ما حدث أن ينابيع الماء أخذت تجف حتی حمير ورادات بير أبو الذهب ماتت وتقطعت حبال الدلاء وتزوجت عوانس الوارادات وبات الحي في عطشٍ لٸيم حتی وصلنا لمرحلة نشاف الريق وتيبس سقوف الحلوق.
نحو أردن أخضر عام ٢٠٠٠ ،أيضاً شعارُُ تداولناه ونحن نغض النظر عن منابع الماء وسني الوطن العجاف وفصول المحل وحقول البور التي تعاقبت ترتدي عباءة الخريف حتی صارت کأرض اليباب،وکنا الذٸب الذي افترس يوسف عليه السلام والجب التي ابتلعته حتی غضضنا رٶياه التي أولها لنا منذ أمدٍ ليس ببعيد ، لکن التصحر وعوامل الحت والتعرية کانت الحقيقة التي تجرعناها بأن الأردن قد أصبح أصفراً قبل عام ألفين ولا زال الاصفرار يکذب ذلك الشعار، ولم أتيقن من کل هذا الخريف الداٸم وأعوام المحل وبوار الحقول حتی رأيت حوض نعناع البيت أصبح مرتعاً للفٸرآن الضالة ومهجعاً للدجاج العقيم والديوك المثلية .

وما بين العمق الوطني والعقم الحکومي تکمن شرارةً کقداحة الکاز القديمة، وبرغم سماکة فتيلتها وتواضع حوض کازها وحوصلة زوادتها إلا أن الکاز يدب في أوصال الفتيل شيٸاً فشيٸاً ربما کماراثون لقطيع السحالف العاجزة لکن الزيت مستمرُُ بالتشبث بجفاف خيط قطن الفتيل حتی مرحلة الثمالة والإشباع، وحجر القداحة جديد لنق کامنُُ تحت غرفة احتراق الفتيل ، لکن المسٶول الفاسد متعنت وکأن الوطن حارته الخاصة والزقة التي تٶدي إلی بيته، يأخذ من کعکة حکومته وحقيبة تکليفه جزء المداقرة والتعنت في التعاطي مع ملفات الوطن العميق وبالذات الساخنة منها ، مثل ملف البحر الميت الذي کافأ بطلته بسفارة جزلة ، وکذلك ملف بحارة الرمثا التي أوقد نار الفتنة وأخمدها بنفس کاز التعنت وقداحة المداقرة.
حتی أفقنا ذات أمس علی اعتصام نخبة المجتمع ألا وهو المعلم والمعلمة،هذا الأخير والأخيرة الذي لا زال حصن النهضة والورقة الرابحة في عملية الإصلاح إن کانت نية الجدية في الإصلاح لدی حکومة العقم الأبدي برغم أنني أشکك في نية النهضة والإصلاح بل إنهما مجرد علکة أم القرش ونص تم تلقيم أفواه المسحجين والطبالين بها وأصحاب الکراسي الأولی في الاحتفالات والزيارات والذين تم إيکال مهمة الدحية والهتاف وتسميع النشيد غير الموزون لهم.
الاعتصام المثقف والواعي للمعلمين والمعلمات هذا هو حالة صحية وربما صار أيقونة الصحوة لدی الکثير من قوی الوطن الناٸمة عن حقوقها وخزانات الوطن البشرية التي لا زالت تغرف منها النخب السياسية المعطلة فکرياً والعقيمة ذهنياً والهشة في طرح الحلول والعاجزة حتی في تمثيل الانبطاح إن کان الانبطاح يحل جزءاً من القضية والمعادلة الصعبةولما لا إن کانت العواقب سلامة الوطن ؟.
رمزية الرابع في إسقاط عجرفة الحکومات وتعالي الطارٸين علی السلطة باتت نافذة الأمل التي تخيف ولا تخاف ، وقنوة يدِ الاعتصام التي أصبحت تهز ولا تهتز في أيدي معلمينا ومعلماتنا الذين کانوا ولا زالوا أحرص من کثير ممن تسيدوا المنصات وشاشات الإعلام بالتلقين والحقن ، وصاروا أکثر وعيٍّ مما مضیٰ بعدما مارسوا کل أنواع وأشکال وألوان ونکهات الحوار قبل الوصول إلی مرحلة کسر العظم ليثبتوا لنا بدرسٍ لم نقرأه من قبل علی سبورة الوطن وبطبشور أناملهم بأن حکومات الغطرسات المتعاقبة التي لا تقوَ علی مجرد إدارة لعبة شلاليط أو تنظيم حلقة الطاق طاقية فإنها عاجزة عن الوفاء بوعودها لشريحةٍ مهمة وبسيطة في الانتشار وکبيرة بالعطاء فهي أيضاً تمارس نفس الغطرسة واللعب علی قوت ومقدرات الشعب ومستقبله السياسي بنفس الفن والتدليس وکسب الوقت علی حساب وضع الوطن في احتمالات المجهول وتوقعات أشبه ما تکون بلعبة السيجة بين الرعاة في العراء.
لا شك أن الوطن لديه من العمق التاريخي والإنساني ما يٶهله أن يعبر بقوارب النجاة حين يمتطيها أشخاص يحملون الوطن علی أکتافهم وليس العکس ، لکن العقم المتمثل برٸيس وزراء يتدرع بسياسة المداقرة وإقناع الشعب بأن الاعتصامات داٸماً ما تکون مختطفة لأجندات خارجية ومدسوسة، وأن عدم الاستجابة والانصياع لمطالب المعلمين ولو من باب الوعود وکسب الوقت الوطني وليس الشخصي لإثبات الزلومية الفارغة هو فقط من باب أن المشکلة تتجسد في شخص نقيب المعلمين النواصرة وتهميش باقي الأسرة التربوية من أجل شخص علی حد زعمهم ما هي إلا عملية استخفاف بعقول الشعب والمغامرة بوطن والمقامرة الخاسرة علی حساب المستقبل الذي يلفه الضباب وعجاج البيادر الشخصية وتبن المصالح دون أخذ المحصول فوق البيدر بعين الإعتبار علی أدنی حدود التکتيك واللعب السياسي باحتراف.
کما هو الوطن لك يا رٸيس الوزراء ويا وزير التعليم والداخلية کذلك الوطن للمعلمة والمعلم الميداني وعواٸلهم التي تعاني من کومات دفاترهم وبقع حبر أقلامهم المستعصية علی ملابسهم التي لا يعبأون بتغييرها کل صباح أو بجديدها في کل عيد، فکفاکم استخفافا بنا ولعباً علی مشاعر تبلدت وتجمد الحب فيها حتی وصلت للاشمٸزاز من کل تفاصيلکم وأسماٸکم المکررة ، کفاکم کرهاً مبطناً للوطن وحقداً غاٸراً للشعب ، کما کفاکم مصادرة وطنيتنا بتحليلاتکم المفبرکة وأکشنة کل الصالحات الحسنة من حولنا.

شبلي حسن العجارمة

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى