المسؤول المعلول! / سلامة الدرعاوي

المسؤول المعلول!
من يصدق أن هناك مسؤولين على رأس عملهم الآن كانوا قد تقاعدوا في وقت سابق، وحصلوا على علاوة المعلولية التي تمنح للعاجزين عن العمل، كتعويض مالي لهم جراء الأمراض والإصابات التي ألمت بهم أثناء خدمتهم العامة.
المعلولية حق للمتضرر سواء أكان وزيرا أو أمينا أو موظفا مدنيا أو عسكريا، وهي تمنح بعد أن يحال الشخص على التقاعد، ويحصل عليها بعد أن تتشكل لجنة صحية مختصة بدراسة حالة المستدعي، وقد تمنح المعلولية لشخص ما وتصل نسبتها 85 بالمائة من الراتب، أي أن راتبه التقاعدي يتضاعف تقريبا.
في الأردن الحالة مختلفة تماما في أهداف منح المعلولية، فعدد من الوزراء بمجرد خروجهم من الوزارة يتقدمون بطلب للحصول على المعلولية، وتمنح لهم في الواقع من قبل اللجنة المختصة بسرعة فائقة بعد أن يكون ذلك الوزير المتقاعد “شغّل” الواسطات من كل حدب وصوب للحصول على أعلى نسبة معلولية، وبمجرد أن يحصل عليها وهي 85 بالمائة، يبدأ ذلك الوزير أو المسؤول المعلول بالواسطة من جديد للدخول في وزارة ما أو تولي منصب رسمي ما، ويرفع من وتيرة النقد والاستياء العام تجاه الحكومات في حال تجاهل مطلبه، لكن في العادة يستجاب لهم ويتم تعينه في عدد من المناصب المختلفة.
في الحقيقة هذا المسؤول المعلول لايخجل من نفسه ابدا، وينظر للأموال العامة بعين السرقة، على اعتبار انها حق ومكافأة له نتيجة الاعمال الكبيرة التي قدمها، ولو كان هناك تقييم حقيقي لهؤلاء المسؤولين عن الاعمال العامة التي قاموا بها، لكان بعضهم خلف قضبان الحديد.
الامر لا يقتصر على المسؤولين والوزراء، بل ايضا يشمل رؤساء وزراء خرجوا بمعلولية 85 بالمائة، وها هم يطرحون انفسهم للعودة من جديد كمخلّصين، رغم أنهم فعليا لا يعملون سوى ب15 بالمائة من قواهم الصحية حسب المعلولية التي حصلوا عليها.
إذا كانت عودة هؤلاء “المعلولين” الى العمل بسبب الحاجة لهم وقدرتهم الفائقة في الابداع والانجاز، فلماذا يتم منحهم معلولية عالية، ولمعرفة حجمها الحقيقي يكفينا القول إن الوزير المتقاعد براتب 3800 دينار إذا حصل على معلولية 85 بالمائة التي عادة ما تمنح للمتقدمين، فإن راتبه التقاعدي يرتفع الى 6 الاف دينار تقريبا، وإذا ما عاد للعمل الرسمي فإنه يتوقف راتبه التقاعدي ويستمر بالحصول على المعلولية الى جانب راتبه الجديد.
المنطق يفرض من ان الوزيرالمعلول اذا عادت صحته عليه وعاد الى العمل الرسمي من جديد فالاساس يقتضي ان يحرم من المعلولية لانتهاء هدفها الاساسي لا ان ان تمنح له كمافاة ، واذا تبين عدم استحقاقه للمعلولية فعلى الدولة ان تعيد منه كل المستحقات المعلولية التي حصل عليها في وقت سابق.
المعلولية بالشكل السابق هي شكل آخر من أشكال الفساد الاداري الـ”المعشعش” في جهاز القطاع العام، والمحصن من كل مساءلة وتقييم، لان هدفه ليس توفير حياة كريمة للمتضرر صحيا من العمل العام، بل مكافأة بعض المعلولين في عقولهم، الذين لا يتوقفون عن الاعتداء على المال العام بوسائل وأشكال مختلفة.
salamah.darawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى