الحلقة الرابعة / رواية غربة سلطان العجلوني

الحلقة الرابعة
رواية غربة سلطان العجلوني
الكاتب محمد نواف العودات

يقطع سلطان المسافات الطويلة مشيا على الأقدام، جمعية المركز الإسلامي تتوسط الطريق بين بيته ومدرسته ، ذلك المبنى الهرم من الحجر السوري الأحمر المدبب غير المنتظم من بقايا العهد الإمبراطورية العثمانية ، تتأرجح عليه يافطة مخطوطة بلونها الأخضر جمعية المركز الإسلامي مدرسة البنين ، وفي الجانب الأخر مدرسة البنات، مدخل ضيق وباب حديدي اسود يصرخ كلما دفعه احد التلاميذ ، وعلى الجانب المطل على الشارع يافطة موسومة شعبة الإخوان المسلمين / المفرق ، يطوقها سيفان ومصحف أحمر تحيط بها عبارة الله اكبر ولله الحمد وكلمة واعدوا في الأسفل ، يشعر سلطان انه تحت تأثير وسواس قهري يجبره على التفكير في هذا الشعار كلما شاهد تلك اليافطة، يصل إلى المدرسة وتدور عجلة الروتين المدرسي، الطابور الصباحي والحصص المدرسية التي ينسخ كل منها الأخر مرحلة تنسخ آيات المرحلة الأخرى .
دخل الصيف واشتد هجير حره ، ما يخفف وطأة تلك الأشعة اللاهبة نسمات الهواء البارد القادمة من الغرب حيث مدينة اربد تلك المدينة التي تأسره سهولها المنبسطة وحمرة لون تربتها كـ لون الدم القاني ، مطرزة بسنابل القمح بلونها الذهبي وأسراب المزروعات الصيفية من فاكهة وخضار .
يشتد الحر على سلطان في طريق العودة يلوذ كل يوم في ظل شجرة الكينا برهة من الوقت يلتقط بعض الأنفاس يتوقف مرة أخرى في ساحات مدارس جمعية المركز الإسلامي المظللة بألواح معدنية يشرب الماء ، خزان صغير يغسل منه وجهه الأسمر يبلل شعره الناعم يلتقط كتبه من جديد يواصل المسير برفقة أبناء جيله، اشتد جمر الحر ودلف شهر حزيران والعام الدراسي في آخره ، الأجواء تلقي بظلالها على خطوات سلطان المتباطئة في طريق العودة اجتمع على سلطان طول الطريق وضراوة الحر وإرهاق الحصص المدرسية ، ما يسري هموم طريقه حسن معشر الرفاق وأحاديثهم ، صداقة عماد تحفة ثمينة التقطها من المرحلة الإعدادية ، تداولوا قيادة الإذاعة بينهم ، سلطان ينظر إلى صديقه نظرة حب وإجلال فقد جمع وسامة الشكل وبهاء المطلع رقيق العبارة ذو خلق حسن مسموتا بسمت المجتهدين كل ما به جذاب .
تعلق سلطان بصديقه عماد وازدادت الحوارات وتجذرت الصداقات إلا أن هناك حاجز لم يستطع أي منهم أن يكسره ويدخل إلى عالم الأخر بكل ما فيه ليكون مستودعا لأسراره ، توطدت العلاقات والأفكار ونمت المواهب وعرجوا يخططوا لتطوير نشاط المدرسة وتفعيل دور المدرسة الثقافي فأينعت فكرة إقامة مسابقة ثقافية بين طلاب المدرسة بفرعيها العلمي والأدبي ، ازدادت اللقاءات لضرورات العمل عرف كل واحد منهم الأخر عن قرب بشكل اكبر تطورت العلاقة وتطورت فكرة المسابقة بعد جدل استمر ليالي وأيام ، تطوي كل فكرة أختها وينقلب كل مقترح على أخيه حتى استقر الرأي، بدأت فعاليات المسابقة الثقافية فكانت المنافسة حادة على أشدها بين المتبارزين ومعركتها حامية الوطيس بين المتنازلين ،سلطان يكز على أعصابه متحفزا للمشاركة وحسم المعركة ولكنه المنظم ولا بد أن يكون خارج حلبة المنافسة استمرت الفعاليات وتبارز المتبارزون في كل ميادين الثقافة والمعرفة،هدأ غبار المعركة وتجلى المشهد عن فوز ساحق لأبناء التخصص العلمي في كل المجالات إلا حصن الشعر والنثر .
شيخ مهيب مربوع البناء جاد معالم الوجه كث اللحية أشيب الشعر يقف الشاعر يوسف العظم مقلدا أوسمة الفوز للمتقدمين وعلق ميداليات الدرجة الثانية على صدور الخاسرين للملمة الخواطر وجبرها ،سلطان ورفيقه يرمقان المشهد في غبطة وسرور .

على مائدة مدير المدرسة يجلس الضيف وسلطان ورفيقه ، طلب الضيف منهم أن يساعدوا المدير في تجهيز المكان لوضع الطعام رفعوا طاولة كانت تتربع في وسط غرفة الجلوس وبسطوا أطباق الورق وتناولوا طبق المنسف من بين يدي المدير ، طبق من المعدن فضي اللون يكاد يئن من ثقل ما به من طعام، الأرز الأبيض تحته قطع من الخبز الرقيق كأنه ورق لفافة تبغ وعليه قطع من لحم الضان المطبوخ بالجميد الأردني ، يتوسط الطبق رأس خروف ناصل الفكين يجلل كل ذلك حبات اللوز والصنوبر المحمصة وجبة تترجرج النفس لغضارتها ، جلسوا بعيدا عن المائدة إلى أن طلب صاحب البيت إلى الجميع التقدم للطعام تحلقوا حول المائدة يجلسون جلسة التحية للصلاة ينصبون الفخذ الأيمن يلقون قوامهم على أفخاذهم المنصوبة حتى لا تندلق أجسادهم إلى الطعام اليد اليسرى خلف الظهر يخمشون الطعام برؤوس أصابعهم اليمنى ، فلهذه الوجبة طقوس يجب أن لا يخرقها احد فلا تمتد اليد إلى الرأس إلا إذا قطع من لحمه صاحب الضيافة ولا يضع الضيف يده في عين الرأس فمثل هذا التصرف يحمل رسالة اجتماعية تدل على البغضاء لصاحب الضيافة ، يمضغ سلطان قطع اللحم على استحياء لا تكاد تصل يده إلى الطعام ، يرمقه الضيف بعيون مبتسمة يقطع اللحم ويضعه أمامه ، اهتمام لم يرق إلى المدير هؤلاء الطلبة شاغلوا ضيفه عن وليمته طلب المدير من طلابه ان يتناولوا طعامهم من غير حياء وان يتركوا ضيفهم يتناول طعامه ، ارتبكت كلمات سلطان ونغض صديقه رأسه بين كتفيه حياء ، أكد العظم للمدير انه يشعر بالجلوس ببيته وانه لا يحب أن يعامله كضيف بل كصاحب بيت ثم أهال بعبارات المديح على صاحب البيت وأهله وشكر له ولأهله كرم الضيافة وحسن الاستقبال .
وفي الصباح كانت حفلة العشاء واليوم الأخير من المسابقة الحدث لذي يتصدر ساحة المدرسة بقيت تلوكها أفوه الطلاب والأساتذة إلى نهاية الدوام قرع الجرس وحمل الطلاب كتبهم وبدا المسير اليومي الطويل ، الجو لاهب الشمس تصب جام غضبها على رؤوس السائرين في الطريق دخل سلطان ورفاقه إلى مبنى جمعية المركز الإسلامي القوا التحية على أبو أيمن حارس المدرسة محدودب الظهر كث اللحية قصير القامة يكتسي ثوبا رماديا من الغزل وحطة زرقاء لا يكاد ينقل خطاه فلقد أعياه الهرم في تجاعيد وجهه تقرا بؤس اللجوء والتهجير من ارض فلسطين يكسوه مسحة من الصمت والشرود ،همس عماد في أذن سلطان واخذ يحدثه عن تاريخ الرجل وكيف انه كان له دور بارز في العمل الإسلامي في فلسطين في بدايات العمل الإسلامي من ستينيات القرن كما يروي عنه معاصروه رد عليهم التحية ودعاهم أن يصعدوا إلى باص المدرسة فطريق الباص من طريقهم ، شربوا بللوا الرؤوس كعادتهم وشكروا لابو أيمن مساعدتهم.
صعد سلطان وصديقه حافلة الجمعية ينتظرون قدوم السائق والمسجل يصدح بالأناشيد الحماسية عن فلسطين ، سلطان يتقلب طربا وحماسا على كلمات النشيد .
” يما يا يما هات الرشاشي طلبتني الجنة من الصبح ماشي قالت لي مشرق على الاحراشي قلتلها مغرب على فلسطينا ” وزفير الحماسة الحارق يندفع من جوف سلطان متشوقا لفلسطين وارض فلسطين .
سلطان : يا ليتني استطيع أن اذهب لفلسطين
واخذ يدندن ويزداد الحماس كلما ارتفع لحن النشيد ليزيد احد التلاميذ لهيب الحماسة رافعا صوت المسجل فيرتفع لهيب الشوق في نفس سلطان ولم يستيقظ من ثمالة الحماسة إلا على صوت متهدج يهمس به عماد .
عماد : الوصول إلى فلسطين ممكن لمن صدق .

تعجب سلطان من همس عماد
سلطان :ماذا قلت الوصول إلى فلسطين ممكن ؟
عماد : اخفض صوتك لم أكن اعلم انك أحمق إلى هذا الحد ليتني ابتلعت لساني قبل أن الفظ أمامك تلك العبارة .

سلطان : أحقا تعتقد ما تقول ، قل لي كيف ومن أين الطريق ؟
عماد : اهدأ لا الوقت ولا المكان مناسبان لهذا الحديث .

أنزل سلطان جسده النحيل من على الكرسي الخلفي وأنغض رأسه بين كتفيه وشرد به التفكير هناك بعيدا في فلسطين ، سيرة الجهاد اقتحمت عليه أفكاره سيطرت على تفكيره جعلته في عزلة عن المحيط وصل السائق اهتز الباص عند صعوده نظر إلى الخلف لم يرق له عبث الأولاد في المسجل خفض الصوت وبسمل وأدار محرك المركبة ، وصل إلى زقاق الحي يتسرب الأولاد كل منهم إلى بيته المتواضع وصل سلطان إلى البيت رائحة الخبز تملا المكان وضع كتبه على طاولته خلع ملابسه على عجل ثم نزل إلى ساحة البيت موقد الطين تنبعث منه خيوط رائحة الخبز الشهية .
شهر كانون الأول لاسع البرودة والانتخابات النيابية على الأبواب وهرجها ومرجها يطفو على كل سطح ، اليافطات الخضراء وأخرى حمراء وثالثة بيضاء وصور عملاقة وحبال ملونة تلتف حول أعمدة الكهرباء والإشارات الضوئية هنا مكتوب نعم الإسلام هو الحل وبجانبه صورة لشيخ ملتحي وقور وهناك شعار خبز وحرية وعدالة اجتماعية وصورة لشاب حليق اللحية والشارب أشيب الشعر، ويافطة أخرى مخطوطة بعبارة عندما تتلاوى الأيادي تعرف معادن الرجال ، الجو مزحوم بالأفكار والكل ألقى حبال سحره ولا احد يدري لمن الغلبة .
في يوم الزينة اجتمع الناس منذ الصباح الباكر أوراق ملونة منثورة على الأرض برامج انتخابية لا يلتف لها احد، خيم وخراف ومناسف وحلوى ، الكل خائف لا يدرون ما ستلده أرحام تلك الصناديق خيم المساء ومد طائر الليل جناحه وغطت ظلمته البهيمة سماء المفرق ، الأخبار تتوالى أفعى الإسلاميين تلقف ما صنع سحرة السياسة ، أطفأت خيم وتراقصت الفرحة في أخرى.
شباب مندفع ينادي الله اكبر الله اكبر ، وأخر يهتف الإخوان الإخوان قوة قوة إسلامية، سجد كل من في الخيمة سلطان يتابع من بعيد يقترب ليرى ما الأمر ، الإخوان المسلمون في فرح لا يحسنون الرقص يؤدون دبكات على طريقتهم،فرحة النصر حركتهم يضعون تلفاز قديم متهالك في وسط خيمتهم تتوالى الأخبار الإسلاميون يقتحمون باحات مجلس النواب بقوة ، بلغوا الخمسة عشر بلغوا العشرين، وفي كل رقم يزداد تعلو التكبيرات وصيحات النصر، توالت بشائر الخير لهم وزداد العدد إلى ثلاثة وعشرين مقعد،وسلطان لا يعلم لمن الغلبة الإخوان يبدو أنهم يحققون نصرا عظيما ، التكبيرات المتتالية تسري عن قلب سلطان وتنفث ما به من حنق الجهاد المعطل وفلسطين في احتلال لا مجال للفرح بغير عودة فلسطين ، لكن فرحه ازداد بتلك التكبيرات التي ندر ما سمعها بشوارع مدينته وبذلك العلو والحماسة ، صعد شيخ صبوح الوجه ملتحي بلحية سوداء داكنة و رأس أصلع وجسد ممتلئ وقف على منضدة حديدية يتوسط الجميع ويخطب بالقوم الجو ملتهب بصيحات التكبيرات أعلن فوز الإسلاميين في الانتخابات،انسل سلطان من بين الحضور النشوة تفيض من جنبات نفسه يحاكي نفسه بان عملاق الجهاد اخذ يتململ ، وصل إلى البيت الدفء التهم وجهه دلف إلى الداخل وجد والده مستيقضا يدور المذياع على نشرات الأخبار التي تتحدث عن فوز كاسح للتيار الإسلامي .
سلطان : كنت هناك يا أبي ، الشيوخ في فرح وأصوات التكبير تعج بها جنبات المفرق
أبو سلطان :الآن استمعت إلى تقرير على المذياع يقول نتائج غير متوقعة للإخوان المسلمين .

سلطان : سمعت ذلك من مرشحهم يقولون أنهم حصدوا ثلث المجلس .
أبو سلطان يتمتم بالدعوات أن يسوق الخير للبلاد ، لكن سلطان لا يرى في كل ذلك أهمية من دون الجهاد وعودة فلسطين ، يدرك والد سلطان حماسة ابنه وانه من المبكر عليه حديث السياسة ، رفع صوت المذياع لا يريد الدخول في نقاش مع سلطان ، اقتربت والدة سلطان من فرشة زوجها وضعت أبريق الشاي قلبت الكؤوس الزجاجية على أفواهها وأخذت تنفض ما علق بها من بقايا الماء تقطع أوراق النعناع وتسكب عليها من أبريق الشاي بعبقه الساحر كلما رفعت يدها بالإبريق إلى الأعلى كلما ازداد زبد الشاي علوا وانتفاشا وزعت الكؤوس أدارت وجهها إلى زوجها تستفسر من فاز في هذه الانتخابات داعية إياه أن يترك المذياع قليلا ، وهو يجيب باقتضاب عن ما حققه التيار الإسلامي من نتائج انتخابية مستمرا في إستماع الأخبار،بعد برهة قصيرة نظر الرجل إلى زوجته فوجدها تسند ظهرها إلى الحائط وتغط بنوم هانىء عميق .

أبو سلطان : أيقظ أمك يا سلطان لتنام في فراشها نومها بهذه الطريقة يؤذيها فهي لا تكف عن التأوه والتوجع من غير مرض .

أيقظ سلطان أمه لتزحف إلى فراشها البارد بكسل ونعاس يغشاها مؤكدة على زوجها أن يطفئ نار المدفأة قبل النوم ، جلس سلطان صامتا متأملا نار المدفأة من خلف قطعة الزجاج كأنها فهوة بركان ثائر امتلكه التفكير طويلا في النزول لفلسطين ، ليغط به النوم عميقا مستيقظا على رائحة البيض المقلي بالسمن البلدي وحوار والدته الودود على قارعة الصباح البارد ووالده يتبع الضحكة بأختها وزوجته تؤكد له أنه هرم وان لا إمرة تقبل به زوجا وهو يؤكد لها شبابه وان كل البنات يتمنينه عريسا وتغشاهم سويا ضحكات الرضا.
اخشوشن صوت سلطان وانتصبت قامته وطوق الشعر لحيته وشاربه معالم الرجولة الكاملة أصبحت تكسوه ، الوقت مساء طبق معدني واسع يلتف عليها جميع أفراد العائلة تجثوا بوسطه بطيخة سمينة تنزف ماء رقراقا بلون الدم الكل ينهش من لبها عين على الطبق والعين الأخرى على مسلسل السهرة تنتظره البنات بفارغ الصبر حلقات المسلسل المشوقة البطل ينجو من مؤامرة وموت محدق لتنصب له شيراك حيلة أخرى فجأة ينقطع البث وتخرج المذيعة تقطع مسلسل السهرة أمر غريب فراغ متقطع تطل المذيعة وتختفي الصورة تتقطع بشكل سريع الكل مشدود ، زفرات التلهف وحب الفضول بادية على أبو سلطان ، ضجر البنات والتأفف يعم المجلس ، أحداث المسلسل مشوقة لما هذا الانقطاع بهذا الوقت ،الأب يطلب من الجميع أن يصمتوا والأم تطلب من زوجها أن يهدئ من روعه والخوف والقلق الذي على وجهه .
قطع الحوار صوت المذيعة تعلن اجتياح الجيش العراقي لأراضي دولة الكويت نقلا عن التلفزيون العراقي فرك والد سلطان يديه مستبشرا بالوحدة العربية وانتهاء الفرقة والتشرذم ، زم الابن الأكبر شفتيه غير راضيا على الاعتداء على سيادة بلد وشعب واصفا التصرف بالأهوج وأثاره ستكون كارثية طالبا من والده أن لا يتحمس ، زمجر أبو سلطان في وجه ابنه داعيا إياه أن يسكت والابن يؤكد له أن الوحدة تكون بالرضا لا بالسيف والقهر .

قطع الحوار الساخن توقف بث المسلسل مرة أخرى وظهور المذيعة مرة أخرى تعلن الرد الأمريكي على الاجتياح العراقي بادنتها لاجتياح الكويت ودعوة المجتمع الدولي لاجتماع عاجل والتباحث في هذا الشأن .
استشاط أبو سلطان غضبا مؤكدا في حديثه للأولاد أن الغرب لا يريدون للعرب أن يتوحدوا يريدون أن تبقى الأمة مفككة حتى ينهبوا خيراتها ، الحوار كان لا يحتمل الاستمرار بين الابن وأبيه فالأب تجرفه الحماسة والابن متشكك متشائم ،جمعت البنات قشر البطيخ وحملن الفراش للداخل يعلن انتهاء السهرة فقد أفسدها ذلك الخبر وقطع عليهن مسلسل السهرة ومتابعة شجاعات البطل واللقاء بالمعشوقة .

المدارس في عطلة والشباب لا شيء يلهيهم إلا سهرات صباحية على أبواب البقالات المغلقة تطاردهم اعتراض الأهالي فالصيف حار والعباد منشورة خارج البيوت ، هجر سلطان تلك التجمعات باحثا عن ما يملا به فراغه .
انفجرت الشوارع غضبا بعد الصلاة الجمعة أعلام العراق ترفرف عالية وصور الرئيس العراقي توشح البيوت والسيارات ، وأعلام أمريكا تلتهمها النيران وسلطان زعيم محمول على الأكتاف يهتف ويصرخ ونار اللهيب والحماسة تتقد في قلبه أسبوع من الصراخ والمظاهرات لم يطفأ غضبه ولا جذوة قهره المتقدة بين أضلعه نزل خطيب الجمعة من على المنبر وصلى سلطان في ذيل المسجد شارد الذهن لم يعي من جمعته إلا تكبيرة الإحرام وتسليم الإمام ، تدافع المصلون يحملون الأعلام الأردنية تخفق إلى جانب أعلام العراق بحت الحناجر بالتنديد وتوعد أمريكا وإسرائيل ، وجود امني خجول وسيارة إسعاف ترافق المحتجين تحسبا لأي طارئ ، يحس سلطان كان الشوك الجاف عالق في حلقه لا يكاد يقوى على ابتلاع ريقه أقدامه مكلولة من طول المسير يرفعهن بثقل ووهن من التعب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تصوير مشوق وسرد رائع للاحداث تأخذ القارئ معك الى ذاك الزمان راضيا غير مكره مستمتعا بتلك التفاصيل.
    كنت اشتم رائحة الطابون وابتسم الى الرقصات العشوائية واستمتع ببرودة البطيخ

    جميل ….. بالتوفيق

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى