حديث سواليف الرمضاني 19 : برِّ يَوْمٍ وَجُحُوُدُ دَهْرٍ (1)

سواليف – خاص – د.منتصر بركات الزعبي بِرُّ الوَالِدَينِ مِنْ أعْظَمِ القُرُباَتِ والطَّاعَاتِ ، ومِنْ أجْلّ الأعمَالِ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ ؛ وَيَكْفِي الوقوفُ على شَرفِ وفَضْلِ البِرِّ إذا مَا عَلِمْنَا أنَّ اللهَ – عزَّ وجلَّ – قدْ قَرَنَ بِرَّ الوالدَينِ بِتَوحِيدِهِ – جلَّ وعَلَا – حيثُ قالَ :(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرً) وهذا النصُّ القرآنيُّ يُوًضِّحُ الاهتمامَ البالغَ بِحَالَةِ الأبوَين ، حِينَمَا يَبْلُغًان الكِبَرَ والعجْزَ ، إذْ يُؤَكِّدُ فَرِيضَة الإحْسَانِ إليْهِما في هذهِ الحالةِ ، ومِنْ الإحسَانِ إليْهما : تكريمُ مَقَامِهِما ، وعدَمِ التضجُرِ مِنْ أفعالِهِمَا ، عِلْمًا بأنَّ الإنسانَ متى كَبُرَتْ سِنُّهُ ، وبلغَ مَبْلَغَ العَجْز ، كَثُرَتْ مطالِبُه ، وضاقَ صدْرُهُ ، كَثُرَتْ مُدَاخَلاتِه في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ، ومِنْهُم مَنْ يُرَدُّ إلى أرذلِ العُمْرِ ، ومعَ ذلِكَ فالولدُ مُطَالَبٌ شَرْعًا بأنْ يقولَ لكلٍّ مِنْ والدَيْهِ قَولاً كَريْمًا . ْ فأيُّ فَضْلٍ هذا؟! وأيُّ منزلةٍ ومكانةٍ هذهِ؟! بلْ قالَ ابنُ عباسٍ – رضي الله عنهما – : (ثلاثُ آياتٍ نزلَتْ مقْرونَةٌ بثلاثٍ، لا يَقبَلُ اللهُ واحدةُ بدونِ قَريْنتها، أمَّا الأولَى فَهي قَولَهُ تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، فمَنْ أطاعَ اللهَ ولمْ يُطِعْ الرسولَ فلنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وأمَّا الثانيةُ فهي قولُ اللهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] فمَنْ أقامَ الصلاةَ وضيَّعَ الزكاةَ لنْ يَقبلَ مِنْهُ، أمَّا الثالثةُ : فهي قولُ اللهِ تعالى : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لن يقبل منه). عنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ قالَ : سألتُ النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – أيّ العمَلِ أحبّ إلى اللهِ؟ قالَ: ”الصّلاةُ على وَقْتِها”، قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: ”بر الوالدين” قلت: ثم أيّ؟ قال: ”الجهاد في سبيل الله” قال: حدّثني بهنَّ ولو استزدْتُهُ لزادَني” رواه البخاري. ولِهذَا أعدَّ اللهُ للأبنِ البارِّ بوالدَيهِ ما لا أذنٌ سَمِعَتْ ولا عيْنٌ رأتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ ومِنْ ثَمَرَاتِ هذا البِرِّ دخولُ الجنَّةِ والنجَاةِ مِنَ النَّارِ ففي الصحيحين عَنْ اَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم :(رَغِمَ اَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ اَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ اَنْفُهُ ” .قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :” مَنْ اَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ اَحَدَهُمَا اَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ )صحيح مسلم . بكى التابعيُّ إياسُ بنُ مُعاويةَ – رَحِمَهُ اللهُ – عندما تُوفِىَّ والدُهُ بكاءً شديدًا ،فقيلَ لهُ لمَ كلُّ هذا البكاءِ ؟ فقالَ : لا أبكِى جزعًا على الموتِ فإنَّه مصيرُ كلِّ حيٍّ ولكني أبكِى : أنَّهُ كان لِي بابانِ إلى الجنَّة فأغلِقَ اليومَ بابٌ واحدٌ فلا يُفتَحُ إلى قيامِ السَّاعَةِ ,واسألُ اللهَ أن يُعَينَنِي على حِفْظِ البابِ الثانِي ، خابَ وخَسِرَ ولَصَقَ وَجْهُهُ بالتُرابِ، إنَّها تجارةٌ رابحةٌ معَ اللهِ جلَّ وعَلا، رأسُ مالٍ مَعَ اللهِ ينمو ويزيدُ، فازَ به مَنْ برَّهُمَا، وخَسِر وخابَ مَنْ عقَّهما .

ارشيف 2015

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى