التعليم عن بعد: التطوير قبل التطبيق / شروق جعفر طومار

التعليم عن بعد: التطوير قبل التطبيق
شروق جعفر طومار

لم يكن أمام وزارة التربية والتعليم حين اضطرت لتعطيل المدارس للوقاية من فيروس كورونا بدائل كثيرة عن التحول لـ “التعليم عن بعد” لاستدامة العملية التعليمية. جاء التحول سريعا ومفاجئا ودون أي استعداد مسبق وكان ذلك هو العذر الذي اتكأت عليه الوزارة مرارا لتبرير التعثر الكبير الذي اعترى التجربة.
كشفت التجربة ضعف مؤسساتنا التعليمية والعاملين فيها في إدراك مفهوم التعليم عن بعد وكذلك تدني الجاهزية الفنية والتقنية للتعامل مع هذا النمط من التعليم.
الكثير من الملاحظات السلبية أبداها طلبة وذووهم حول أداء المدرسين، وفقدان التفاعل والتواصل بين المدرس والطالب وبين الطلبة أنفسهم، وانتقال جهد التدريس بشكل شبه كامل للأهل، وغياب التغذية الراجعة، ناهيك عن انعدام العدالة بسبب شح توفر التقنيات اللازمة لطلبة المناطق الأقل رعاية في الأطراف.
رغم ذلك، تتردد مؤخرا أحاديث كثيرة عن وجود توجه لدى وزارة التربية للاستمرار في اعتماد التعليم عن بعد بديلا للتعليم التقليدي المباشر داخل المدرسة خلال السنة الدراسية القادمة وربما بشكل دائم، وهو ما يضع الوزارة أمام مسؤولية تطوير كافة أركان العملية التعليمية ومكونات النظام التعليمي ليكون مؤهلا لتطبيق هذا النوع من التعليم.
التعليم عن بعد لا يعني تزويد الطلبة بفيديوهات تظهر فيها صفحات الكتب المدرسية بمرافقة صوت مدرس يقرأ النصوص الواردة في تلك الصفحات، وإنما هو عملية ينبغي أن تتكامل فيها الأدوات والوسائط والمحتوى المقدم لنقل المعرفة بطريقة تفاعلية تعوض فقدان الاتصال المباشر بين المصدر والمتلقي والاحتكاك الفعلي بالبيئة المدرسية.
يتطلب ذلك تأهيل المعلمين لإدراك مفهوم التعليم عن بعد أولا، ونقل وظيفة المعلم من مفهومها التقليدي إلى مفهوم المرشد التفاعلي الذي يتثمل دوره الرئيسي بتوجيه الطالب وتسهيل قيامه بعملية البحث والتفكير والنقد وتحليل الأمور والربط بينها منطقيا وترك حرية الوصول للنتيجة له، ومن ثم نقاش النتيجة معه لتقييمها، وتدريب المعلمين على كيفية تفعيل هذه المهارات لدى الطلبة. ولا بد بالطبع من تأهيل المعلمين تكنولوجيا لتمكينهم من التعامل مع وسائط التعليم الملائمة لهذه الآلية.
ولا يمكن إجراء هذا التحول في نمط التعليم ومفهومه بالاعتماد على المناهج الحالية التي أثبتت التجربة عدم ملاءمتها بتاتا للتعليم عن بعد لاعتمادها على التلقين والحفظ. يجب إذن تطوير المناهج بحيث ترتكز على مفهوم العصف الذهني ومهارات الاستقصاء والتفكير الناقد والوصول إلى النتائج من خلال تحليل المدخلات.
ينبغي أيضا تطوير الإدارات التربوية وتحويلها من إدارات تقليدية إلى حداثوية تستطيع مواكبة التعليم الحديث واستدخال التكنولوجيا فيه، وتكون قادرة على تقييم ما يقدمه المعلمون للطلبة.
الأمر المهم أيضا، هو عملية المتابعة والتقييم، بحيث تتم متابعة وتقييم العملية بشكل مستمر، وأن تقسم السنة الدراسية إلى مراحل (أسابيع/ أشهر/ فصول) ويتم تقييم كل مرحلة، وعلى الوزارة أن تكون هي المسؤولة بشكل مباشر عن عملية التقييم حتى في التعليم الخاص.
ولا يقل أهمية عن كل ما سبق النظر في مسألة توفر التقنيات اللازمة لعملية التعليم عن بعد لدى كافة طلبة المملكة، وهو الأمر غير المتحقق في الوقت الحالي، فإغفال هذه النقطة مسألة في غاية الخطورة وستؤدي إلى تعميق الفجوة التعليمية المعتمدة على الحالة الاقتصادية وبالتالي مزيد من التراجع في عدالة التعليم وتوزيع مكتسبات التنمية.
يحتاج تحقيق ذلك إلى سنوات من العمل المتواصل، وهو ما يجعل من فكرة الاستمرار في التعليم عن بعد للعام الدراسي القادم الذي لا يفصلنا عن بدايته سوى أسابيع فكرة منتقدة ومربكة.
علينا أن نبدأ أولا بمأسسة هذا التعليم، ووضع منظور شمولي لآليات تطوير مكوناته والتدرج في عملية التحول بمقدار المنجز من عملية التطوير، حتى لا يشكل التحول غير المبني على أساس سليم ضربة جديدة في خاصرة نظامنا التعليمي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى