الشعب التركي ينتصر لقائده / موسى العدوان

الشعب التركي ينتصر لقائده
التظاهرة التركية الضخمة التي جرت في ميادين اسطنبول، مساء يوم الأحد 7 تموز 2016 استجابة لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان، تحمل رسائل ومعاني كثيرة لدول وشعوب العالم. كانت الغاية من تلك التظاهرة التنديد بمحاولة الانقلاب الفاشلة واستعراض القوة أمام دول العالم، وخاصة تلك التي ساندت الانقلاب أو تعاطفت معه، ضد النظام الشرعي القائم في تركيا.

رفع المتظاهرون فوق رؤوسهم أعلام تركيا التي تحمل صورة الهلال والنجمة الخماسية على أرضية حمراء. فخاطب الزعيم أردوغان الجماهير المحتشدة بعبارات قوية ومعبّرة قائلا : ” خطط مدبرو الانقلاب لكل شيء، لكنهم نسوا الشعب “. هكذا يخاطب القائد شعبه عندما يكون واثقا منه، ومركّزا على الشعب الذي يمثل مركز الثقل في ممارسة الحكم. وهكذا يستجيب الشعب لقائده عندما يبادله الثقة، فيردّ له الجميل على ما قدم للوطن والشعب من انجازات مجيدة.

لم نشاهد على شاشات التلفاز صورا لزعيم يعتلي ظهر شعبه، ولم نسمع هتافات تنادي ” يعيش أردوغان “، ولم نسمع أغنية تردد ” حيطنا مش واطي “. ولكن بالمقابل رُفعت لافتات محدودة كتب عليها ” أنت نعمة الله علينا يا أردوغان “، و ” مرْنا أن نموت فسنفعل “. كما عبّر أحد المواطنين عن مشاعره بعبارات بليغة قال فيها : ” نحن هنا لنُظهر أن هذه الأعْلام لن تُنكّس، وآذان الصلاة لن يتوقف، وبلدنا لن يُقسّم “. ماذا يمكن أن يقال أكثر من هذا الكلام الذي ينبع من قلوب صادقة، بحق قائد ودولة يقدسها مواطنوها ؟

هذه هي الزعامة الحقّة التي يعبّر عنها الشعب انتصارا لقائده، من خلال مكالمة هاتفية لبضع دقائق، بثها التلفزيون التركي على الهواء، فهب الشعب في كل أنحاء البلاد يواجهون دبابات الانقلابين بصدور عارية، يلقون القبض على المتمردين ويزجون بهم في السجون، ثم يفشلون الانقلاب المسلح في أقل من 24 ساعة. لو تنبأ أحد المنظّرين قبل 15 تموز 2016، بأن رئيس دولة يستطيع إفشال انقلابا عسكريا بمكالمة من هاتفه الخلوي لاتهمناه بالجنون. ولكن هذا ما حدث في عالم الحقيقة، وتابعه المشاهدون في مختلف أرجاء العالم بكل دقائقه وأحداثه، لدرجة أن بعض المناوئين أتهموا أردوغان بصنع هذه المسرحية لزيادة شعبيته، وهو ادعاء ثبت بطلانه في وقت لاحق.

مقالات ذات صلة

أسئلة كثيرة يمكن أن تَطْرح نفسها حيال هذا الموضوع، منها على سبيل المثال : لماذا استجاب الشعب التركي بأحزابه الموالية والمعارضة، لنداء أردوغان بالنزول إلى الشارع وإحباط الانقلاب ؟ لماذا وقفت معظم القوات المسلحة ضد الانقلاب وأيدت النظام، وهي التي عُرفت عبر تاريخها الحديث بتفجير الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المدنية ؟ وأخيرا لماذا لم تستجب الشعوب في بعض الدول العربية لنداء زعمائها في إفشال الانقلابات التي وقعت ضدهم في سنوات الربيع العربي الماضية ؟

إن الإجابة على جميع هذه الأسئلة تتلخص في كلمات ثلاث هي : ” ثقة الشعب بالقائد “. هذه الثقة لا يمكن أن يصنعها إعلام مزيف، ولا خطابات مسئولين مفعمة بوعود وردية ولكنها غير قابلة للتطبيق، ولا بأغاني حماسية تذكرنا بحروب عنترة بن شداد والزير سالم. الثقة بين القائد وشعبه تخلقها أفعاله المجيدة، واهتمامه الحقيقي بمصالح ورفاهية شعبه، وتحقيق العدالة في المجتمع، وتخليصه من الفساد والفاسدين.

الزعيم التركي وحزبه حزب العدالة والتنمية حقق معظم هذه المتطلبات، فطور معيشة شعبه وزاد من معدل الدخل السنوي للفرد، وحسن مستوى الاقتصاد في البلاد بحيث جعلها تقفز من المرتبة 116 إلى المرتبة 11 بين دول العالم، وحول تركيا إلى بلد صناعي متقدم في مختلف المجالات لينافس الدول الأوروبية وغيرها. فلا غرو أن يدافع الشعب عن تلك المنجزات العظيمة.

المسئولون الأتراك طبقوا الديمقراطية الحقيقية في نظام الحكم من خلال المؤسسات الدستورية، وابتعدوا عن الفساد ونهب أموال الدولة، وتمسكوا بأهداب الدين الإسلامي الحنيف دون تطرف، وحافظوا في الوقت نفسه على الحرية الشخصية وحرية العبادات. المسئولون الأتراك لم يسمحوا لزوجاتهم بالتدخل في شئون الدولة التي يبلغ عدد سكانها 80 مليونا، ولم يسمحوا لزوجاتهم بالتسوق في متاجر أوروبا وأمريكا، ولم يسمحوا لهن أيضا بالمشاركة في المسابقات الفنية والاستعراضات العالمية على حساب موازنة الدولة. زوجات المسئولين الأتراك يظهرن في المناسبات العامة وقد ارتدين لباسا محتشما يتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي والأخلاق الفاضلة.

وبالعودة إلى بعض زعماء الدول العربية الذين واجهوا الانقلابات الشعبية أو العسكرية، لنجد أنهم عادوا شعوبهم ولم يكسبوا ثقتهم، وحجزوا لأنفسهم أبراجا عاجية بعيدا عن قواعدهم الشعبية، وأطلقوا العنان لزوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم ليعيثوا فسادا في البلاد، يتراوح بين المتاجرة وجمع الأموال وإنشاء المؤسسات الخاصة لخدمتهم دون حسيب أو رقيب. وعندما أزفت ساعة الحساب ضاقت بهم الدنيا، فمنهم من طار خارج البلاد، ومنهم من سكن السجون، ومنهم من لقي حتفه على أيدي شعبه، ومنهم من شرّدَ وقتل مئات الآلاف من شعبه، وما زال يتربع فوق الجماجم، باعتباره الزعيم الخالد، ولكن ينتظره يوم الحساب.

هذا هو الفارق بين زعيم يعمل من أجل شعبه، فيبادله ذلك الشعب ثقة بثقة وحبّا بحبّ، وينتصر له عند المحن عرفانا بخدماته الوطنية الجليلة، وبين زعيم متسلّط على شعبه، يمتص دمه ويحمّله عبئا فوق طاقته، ويعيش في عالم البذخ والترف، بينما يعاني شعبه من ظروف معيشية قاسية، فيكظم وحقده ولا يظهره إلا عند ساعة الحساب، يوم لا تنفع فيه دبابات ولا طائرات، إلا من زعيم أتي شعبه بأعمال حميدة، وصفحة ناصعة خالية من الدنس. فهنيئا لقائد تركيا رجب طيب أردوغان بشعبه الوفيّ، وهنيئا للشعب التركي بزعيمه صانع الأمجاد الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الشعب التركي انتصر لنفسه عبر الدفاع عن قائده اللذي اختاره بنفسه ولنفسه ترا لو أن حاكم عربي انقلب عليه جيشه كم من مواطنيه سيدافعون عنه

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى