يحكى أن

يحكى أن
أسامة العربي

حفارا للقبور كان كلما دفن شخصا يقوم ليلا باستخراج جثته ويبحث في ما تم دفنه معه ، حتى اسنانه يبحث فيها عن سن ذهبي ، ومن ثم يعيد الجثة ويعيد القبر كما كان ،،،، وعندما حضرته المنية أوصى ولده أن يستلم مكانه والحرص على تفتيش الجثث ليلا .
مرت أيام وحديث القرية في المجالس عن مساوئ حفار القبور الأب ، تناهى لمسامع الابن الحديث الدائر فأقسم ليجلعنهم يترحمون على والده ،
ومع اول جثة في المقبرة ،سارع الابن للعمل بوصية والده ليلا ، وعند إعادة الجثة لم يهل التراب كاملا عليها. بل جعل من ينظر للقبر يعلم ان طالته يد العبث ، صار من يمر بالقبر يقول يرحم أبوه كان يعيد التراب كاملا على الجثة .
المفاضلة بين السيء والاسوأ .
المفاضلة بين السيء والاسوأ إحدى نماذج تغييب الوعي الجمعي في المجتمع ، وهي إحدى علامات التردي ، وتقديم التنازلات الطوعية ،وتدجين وكبح جماح المتمرد على القطيع .
حالة المرواحة بين قعر الزجاجة وعنقها التي يراوح الشعب الفلسطيني فيها منذ اوسلو ولغاية اللحظة الراهنة ،تقتات في استمرار وجودها على المفاضلة بين السيء والاسوأ ، حتى مبررات أوسلو رغم ما تكشف عنها للشعب ، ساقها مؤيدوا اوسلو وفق هذه المفاضلة ، واستمرت مع السلطة في تعاطيها مع تفاصيل الحياة اليومية ، وكأنه لا يليق بهذا الشعب حالة الكمال كبقية الشعوب التي تتمتع بكامل حقوقها .
الرضا بالقليل النتيجة الحتمية لهذه المفاضلة ، هي البهجة والسرور للمقيمين بقاع الوادي عندما تلامس أرجلهم صخرة في هذا القاع.

لم تغب هذه المفاضلة عن الديكتاتوريات في مشارق الارض ومغاربها ، وعلى وقعها تمددت كراسي الحكم لتحتل مساحة الوطن بكامله ، ومنها انبثقت مقايضة الحقوق باستمرار تغول الديكتاتورية ، عليها قامت السماح بامتلاك بريد الكتروني ، والسماح برخصة قيادة للانثى ، عليها قامت توفير الحد الادنى من التعليم المجاني ، وعليها قامت السياسية الداخلية المبتورة كديكور جمعيات حقوق الانسان المرتبطة بالاجهزة الأمنية ، يديرها ضابط أمن يتلقى شكاوي تغول السلطة الرسمية على حقوقه !
بهذه المفاضلة ترحمنا على الفاشلين في شتى معارك الحياة، ترحمنا على الانهزاميين ،على باعة مقدرات الوطن ، على من ألهب ظهورنا بالسياط ، وأباح دماء فلذات اكبادنا ، ترحمنا على من تجولت سكينه بين لحمنا وعظمنا ، لمفاضلتنا بين السيء والأسوأ.
طول القيد لا يعني أنك حر

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى