
إلى كل رجال الوطن الأردنيين
إلى احمد حسن الزعبي
تحية طيبة و بعد ..
أستاذي الكريم ، إنني أبعث إليك هذه الرسالة و أنا أتقلب كالباحث عن الموت على سريري المقيت ، يفارقني النوم في الحين الذي تغلي به الدماء في عروقي ؛ تغلي الدماء في عروقي حينما أرى مستقبلنا ليس له إلا عنوانين مكتوبين على يافطتين من صفيح صدئ ، مكتوب على الأولى : الانهيار الاقتصادي قادم للأردن لا محالة !
و مكتوب على الأخرى :
ديموكتاتورية رغم انوفكم !
أستاذي .. لم يعد في وسع هذه الشرايين أن تحتمل ، فـ ( الشفرات ) الحادة كالنصل تحدها من كل جانب ، و تتوعدها بالبتر الذي يتنفس أعدائها بعد رؤيته تنفس المنتصرين ، فكل ما يتلحف به غدنا يسارع للإنهيار ، و السفوح تقهقه على كل القمم التي نوينا التشبث بها ، و لم يعد الضباب موجوداً أصلاً في نطاق الغد ؛ لإن ما يحيطنا يشكل لنا صورة حقيقية لا ينقصها ( بكسل ) واحد ، و كيف أن الوضع سيقذف بالأجيال القادمة الى الغابات التي لم تعد موجودة ؛ كي يعضوا على أغصان أشجارها حين زعيق أمعائهم الخاوية !
العزيز ( أحمد حسن الزعبي ) ..
لقد علمتني التجارب العالمية درساً ، بأن اللحظة التي تختفي فيها كرامة السياسيين و تتجلى فضائحهم ، تستوجب على الفلاسفة و المفكرين و رجال الفن أن يصبحوا سياسيين ، و تفرض عليهم أن يكونوا قشة الإنقاذ تكليفاً و إجباراً و ليس تشريفاً ، لئلا يعصرهم التاريخ الى جانب اولئك السياسيين و يلقيهم في كأس واحدة ، و لئلا تموت رسالتهم كبالون منتفخ تسبب في ( فقعه ) دبوس موقف ، و أنت خير من يعرف بأن الحرب حينما تدق أجراسها تفرض على كل الشرفاء – فنانين و دعاة و دبلوماسيين و نُحاة – بأن يقوموا صفاً واحداً و يدافعوا عن وطنهم ، و يكونوا حينها كالبنيان المرصوص .
فأي حرب تنتظرون أكثر من حرب يأكل فيها باعة الأوطان أبناء جلدتهم حتى تستفيقوا ، أي حرب بربكم !
إن مسيرة الرجولة لا بد أن تمر بالمواطن العربي الحر ممر السياسة ؛ لإن هذا قدرنا ، فلا تتبرئوا جميعكم ، و نحن نتشبث بأزرار قمصانكم ، من السياسة و دهاليزها المخيفة ، و مجازفاتها و مراهناتها ، و معاركها الطاحنة و حروبها ، حتى لا تتبرئ ضمائرنا منكم !
لا نريد يا سيدي أن تتلوثوا في هذا المحيط النجس ، لا نريد منكم أن تترشحوا لمجالس أمة ليس لها أي علاقة بالأمة ، لا نريد منكم أن تتوزروا حتى تمحق هذه الحقبة سمعتكم و تاريخكم و رسالتكم ، لا نريد أن تدخلوا في معمعة تلعنون ساعتها طيلة أعماركم ، بل نريد منكم إيقاد شعلة لرص صفوف الأردنيين ، و جلب الأحرار منهم حتى يصبحوا تحت سقف تفكير واحد ، و تحت رؤية إصلاح جامعة ، يسيرون على نهجها ، و يضحون على طريقها النضالي بكل ما سيسلبه اياهم أخساء بلدهم ، قبل الأخساء الآخرين ، من إمكانيات للتضحية !
العزيز ..
ألم يئن الوقت لأن تقوموا كنخبة فكرية نتلحف بصوتها لتشكلوا لنا رؤية نستظل بظلها من هذه الحروق التي تتقاذف على جلودنا من كل جانب ، ألم يحن الوقت الذي تخضعون فيه للقدر الحتمي المفروض علينا كعرب ، و تجمعونا في صعيد واحد ، في حزب واحد ، تضعون فيه رسالتكم ، و تضخون به خبرات أعماركم ، و ننضح فيه جميعاً من مدارس الفكر العالمية ، حتى نصير قادرين على مواكبة الحضارة ، و ضخها الى هذا الشعب الذي أنهكه الإنتظار ، تحت مظلة حزب فكري قبل أن يكون سياسياً ، ينقذ أدمغتنا على كافة المستويات ، و يكون له هدفاً واضحاً و هو النهضة بكل حفنة تراب من شمال الأردن و وسطه ، و كل حفنة رمل من جنوبه و شرقه ، و كل صخرة شربت دماء أحد الشهداء الأردنيين ، حينما إتكأ عليها ذات نضال في لحظات تنفسه الأخير !
ألا يستحق منكم الوطن هذه المجازفة ، و هذه المراهنة المفصلية من تاريخ شخصكم ؟!
إنني أبعث إليك هذه الرسالة من أعمق أعماق خفقات القلب ، راجياً بأن تصل الى أعمق أعماق خفقات قلبك ، و كلي فيك أمل ، و كلي في غيركم يأس و ضعف ، فلا تردونا خائبين ، فإن الخيبة في هذا الوقت ، مهما كانت أعذارها ، هي صفعة موجعة في صميم الشعور ، و في صميم الوطن !
لم يبق غير الموت .. إما أن تموت فداء أرضك
أو تُباع لأي وغد !
إليك محبتي ..