لبنان: قتيلان وتوتر بالجبل على خلفية زيارة لوزير الخارجية جبران باسيل

سواليف _ انزلق لبنان، بعد التصعيد السياسي المستمر بين “التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، إلى مرحلة توتر جديدة، تمثلت بحصول إشكال في منطقة الجبل، راح ضحيته قتيلان وعدد من الجرحى.
وعصر اليوم الأحد، قطع سكانٌ من قضاء عاليه، ذي الأغلبية الدرزية، وحيث الحضور الشعبي الوازن لـ”التقدمي الاشتراكي”، عدداً من الطرق المؤدية إلى بلدة كفرمتى الواقعة في القضاء، احتجاجاً على زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، للقاء الشيخ ناصر الدين الغريب في منزله في البلدة، والمحسوب على ما يسمى المعارضة الدرزية التي تضم شخصيات سياسية ودينية معارضة لـ”التقدمي الاشتراكي” ورئيسه النائب السابق وليد جنبلاط، وتحظى برعاية ودعم “التيار الوطني”، ورئاسة الجمهورية.

وعمد المحتجون على خطابات باسيل، وعلى سياساته التي يصفونها بأنها عنصرية وطائفية، إلى قطع طريق كفرمتى، كما قطعت طريق أخرى في منطقة قبرشمون، حيث أصيب ثلاثة من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، توفي اثنان منهما لاحقاً. وكان موكب الغريب متجهاً للانضمام إلى باسيل في جولته، خصوصاً أنه الوزير الدرزي الوحيد في الحكومة المحسوب على ما يسمى بالمعارضة الدرزية، والذي ضغط “التيار الوطني الحر” لتمثيلها في الحكومة، بمقعد درزي من أصل ثلاثة، على الرغم من فوز “التقدمي” بأغلبية المقاعد الدرزية في الانتخابات النيابية الأخيرة.

وفور شيوع خبر التوتر في مناطق الجبل، بادر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إجراء سلسلة اتصالات شملت باسيل، وقيادة “التقدمي الاشتراكي” و”الحزب الديمقراطي” والأجهزة الأمنية، وتركزت على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في الجبل، وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع وإعادة الأمور إلى طبيعتها، كما طلب، وفق معلومات “العربي الجديد”، من باسيل، عدم إكمال الزيارة، وعدم التوجه إلى بلدة كفرمتى، لتطويق ذيول الإشكال.

واتهم الغريب في تصريحات صحافية مسلحين بإطلاق النار على موكبه، لكن الأهالي أكدوا أن إطلاق النار حصل من قبل موكب الوزير، قبل أن يرد بعضهم على مصادر النار، وهو ما أكدته مصادر قيادية في الحزب التقدمي لـ”العربي الجديد”، مشيرة إلى أن موكب الغريب حاول المرور على الرغم من قطع المواطنين الطريق، ما أدى إلى توتر وإطلاق نار من قبل مرافقي الوزير، و”بالتالي فالموضوع بعهدة الجهزة الأمنية للتحقيق، كما أننا نحتكم للقضاء لكشف ملابسات ما حصل”.

وكان باسيل قد بدأ جولته في القضاء من بلدة الكحالة، ثم بحمدون وصوفر، قبل أن تتوتر الأوضاع. وألقى في الكحالة، التي تضم أغلبية مسيحية، خطاباً أعاد فيه التذكير بمعارك الجبل خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين المسيحيين والدروز، وذلك على الرغم من مصالحة الجبل الشهيرة التي تمت في عام 2000، وزار على إثرها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الجبل، والتقى يومها جنبلاط.
ورفضت مصادر “التيار الوطني الحر” التعليق على ما حصل بوصف الأولوية الآن للتهدئة، لكنها أشارت في المقابل إلى أن هذا المنطق خطير، ويعود بنا إلى زمن مضى، خصوصاً أن ما حصل هو محاولة لمنع وزير لبناني من زيارة منطقة لبنانية، كما أن التعرض لموكب الوزير غريب، لا يمكن وصفه إلا أنه كمين ومحاولة اغتيال.

في المقابل، كررت مصادر “التقدمي الاشتراكي” تأكيدها أن طريق الجبل مفتوحة للجميع، وأهلاً وسهلاً بجميع القيادات السياسية، لكن “ثمة لياقات وآداب في التخاطب، ومن حق الناس أن تعبر عن رفضها للاستفزاز، ولهذا الخطاب السياسي”، واصفة جولات باسيل الأخيرة وخطاباته بأنها “فتنة متنقلة”.

وشهدت مناطق قضاء عاليه منذ الصباح استنفاراً أمنياً وانتشاراً كبيراً لقوى الأمن والجيش، قبيل زيارة باسيل، كما أن قوة كبيرة من الجيش حاولت فتح طريق كفرمتى، وحصل احتكاك بينها وبين المحتجين.

وبدأ التوتر بين “التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية. ويعتبر جنبلاط معارضاً للتسوية السياسية بين “الوطني الحر” وتيار “المستقبل” الذي يتزعمه الحريري، واتهمهم مراراً بالمحاصصة بينهما، ما أدى أيضاً إلى توتر العلاقة بين جنبلاط والحريري، على الرغم من أن تاريخا مشتركا طويلا يجمعهما، وخصوصاً بعد عام 2005، عندما كانا في عداد فريق “14 آذار” الذي خاض معركة إخراج الجيش السوري من لبنان.

ولاحقاً، أصدر “التيار الوطني الحر” بياناً أكد فيه أن باسيل ألغى الزيارة إلى كفرمتى، وذلك تفادياً لأي إشكال أمني، واصفاً ما حصل بأنه تحركات تذكر اللبنانيين بزمن حرب مضت وأنتجت أحزاناً ومآسيَ وتهجيراً.

في المقابل، أصدر “التقدمي الاشتراكي” بياناً اتهم فيه موكب الغريب باستفزاز المواطنين وإطلاق النار على المحتجين عشوائياً، وأن بعض من كان يحمل سلاحاً رد باتجاه مصدر النار دفاعاً عن النفس، واضعاً كل المعطيات الموجودة بتصرف القضاء والقوى الأمنية، ومحملاً المسؤولية لـ”من وتّر الأجواء واستفز الناس ونبش قبور الحرب”.

وفي تغريدة له على “تويتر”، كتب النائب السابق وليد جنبلاط “لن أدخل في أي سجال إعلامي حول ما جرى. أطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيداً عن الأبواق الإعلامية. وأتمنى على حديثي النعمة في السياسة أن يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء، لكن الذي يرفض لغة نبش الأحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم”.
يذكر أنه في أعقاب الحادثة، شهدت العديد من الطرقات عمليات قطع من قبل محتجين، بما في ذلك أوتستراد خلدة الذي يربط بين جنوب لبنان وبيروت، بالاتجاهين.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى