من لم يخطيء فليرمها بحجر / عبد اللطيف مهيوب العسلي

من لم يخطيء فليرمها بحجر

( من كان منكم بلا خطيئه فليرمها بحجر )
هذه القصة الشهير
التي رويت عن عيسى المسيح عليه السلام . حين أتوه بامرأة يزعمون انهم قبضوا عليها بجريمة زنا ، ولم يكن عيسى عليه السلام على ثقة بما يقولونه وبملابسة هذه القضية فقال من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ، فلم يفعل أحد منهم وتسللوا لواذا ، ولم يبق سوى عيسى عليه السلام والمرأة فقال لها هل دانوك
قالت : لا يا سيدي
فقال لها : وﻻ أنا أدينك فاذهبي …
وبصرف النظر عن تفاصيل القصة فهو تصرف حصيف له دلالات عظيمة .
فكم من عرض قد انتهك بحجة ( المثالية والكمال المطلق والمدينية الفاضلة ) وكم كلمة ﻻ يلقى لها بال تسببت بدمار شاب وشابة ودمرت اسر وأشعلت فتنة . مع ان الأنسان بطبيعته البشرية معرض للوقوع بالخطأ فالخطأ أمر واراد والعقوبة أيضا أمر وارد ولكن بحقها وﻻ تلغي كل شيء وتجعل مرتكبها شريرا لعينا محضا.

ولذلك اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعة هذه النفوس فقال (كل ابن آدم خطاء) ، ليخبرنا أن هذه الجزئية لا خلاف عليها ابدا ، ولا مجال للمزايدة عليها ، او ادعاء الكمال المستحيل ، ثم يعقب بقوله (وخير الخطائين التوابون)
وهنا أريد أن أقف معك – عزيزي الفاضل – عند هذا المفهوم الهام وسميه ان شئت قاعدة حكمية.
فثبوت المزية لا يقتضي برفع الأحكام , ولزوم الأحكام الشرعية لا يرفع خصوص المزية
فمن ثبت عليه حكما معينا بواقعة معينة, ولزمه حدٌ وقع عليه , يجب حفظ حرمته الإيمانية أصلا وكرامته الإنسانية صيانة, ,فلا يمتهن عرضه إلا بحقه , وعلى قدر الحق المسوغ له .
وإن ثبتت له مزيةٌ دينية , لم ترفع إلا بموجب يلزم رفعها .
ما لم يخرج لحدِ الفسق بإصرارٍ إدمان ,ينفي ظاهر الحكم عنه بالصلاح , ومن هنا جاءت إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : ” لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ” وقوله صلى الله عليه وسلم “لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها “.- وقد أعاذها الله من ذلك – ومع قوله في ثبوت مزيتها ” فاطمة بضعة مني ” .
ومن هنا يفهم قوله سبحانه ”
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) من سورة الحجرات
فقتالهم لم يلغ مزية إيمانهم كما أن الفئة التي بغت وعادت الى جادت الصواب لم تحرم من العدل والقسط .
وهذا يعني تقدير الأمور بقدرها دون تفريط أو إفراط (( فلا تزر وازرة وزرى أخرى ))
ويا للأسف كيف غابت هذه التعاليم والمفاهيم عن مجتمعاتنا
، و على كثير من الناس فمن السهل عليهم أن يرفعوا شخص ما أو يخفضوه دون حدود أو نسب معينة .
وفي حقيقة الامر ما من شخص إﻻ ولديه نسبة من الصواب ولديه نسبة من الخطأ وهذه طبيعة النفس البشرية فلا توجد شخصية متصفة بالصواب والخير محضا – إذا استثنينا من عصمهم الله – أو متصفة بالخطأ والشر محضا ،
. ومن هنا ركز القرآن في الحكم على وضع الميزان بالقسط والعدل .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى