كأنك يا أبو زيد ما غزيت / يوسف غيشان

كأنك يا أبو زيد ما غزيت

غالبا، بل دائما، ما تجد إنسانا فاضي أشغال ولا يملك ما يتحدث حوله، في الجلسات، سوى التحسر فجأة ودون سابق إنذار على (أيام زمان). وبعد أن يمط الكلمات قدر ما يستطيع ويتأكد من انه لاقى استحسانا من الموجودين ، يستمر في حديث مطول – على ذات الإيقاع- يفيد معناه بأن الناس أيام زمان كانوا أكثر طيبة، وكانوا يحبون بعضهم أكثر ، وأن الخير كان متوفرا للجميع ( السمن والزبد واللبن والجميد وما شابهها)، وإن طعم الأشياء كان أطيب كثيرا وأن وأن وأن.
وغالبا ما يسترسل هذا الكائن في المقارنة بين ناس الأمس وناس اليوم، ويؤكد بأن الأخ يشهد الآن على أخيه في المحكمة ،والناس جميعا لم يعودوا أهلا للثقة … فقد اختفت الطيبة والبساطة ،ولم يعد للأخلاق من معنى.وغالبا ما يتفق الجميع في النهاية بأن أيام زمان أحسن وأروع ويتمنون العودة إليها.
اعتقد أن هكذا حواريات هي جزء مهم من سيكولوجيا الإنسان العربي …. تحديدا: هذا هو الجزء المدمر الذي يستخدمه الأعرابي الساكن في دواخلنا، ويحاول شدنا إليه دوما .. لذلك فهو(الأعرابي الساكن) في حالة عداء دائم ودائب مع المدنية ويسعى إلى تدميرها. وهو ينجح كثيرا في الواقع …حيث تمت أكثر من مرة إعادة الوضع من المرحلة المدينية الحضارية إلى مراحل اقل مدينية وتقدما.
وتاريخنا مليء بالحواضر التي تحولت أطلالا وبوادي مرة ثانية وعاشرة . هكذا نتقدم إلى الأمام ثم نتقهقر للخلف حسب قانون الفعل ورد الفعل وكأنك (يا أبو زيد ما غزيت)!!
اليوم..الان…. الواقع ، مهما كان حجم تعقيداته وتحدياته أفضل من الأمس، وناس اليوم أكثر عقلانية وأكثر محبة لبعضهم (خصوصا الأخوة) لأن ضرورات الحياة فصلت العلاقات الاقتصادية والملكيات المتشابكة وأماكن السكن المتداخلة والسلطات الأبوية ، ولم يعد هناك (وطي) و (دواقير ) وموارس يتنازعون عليها وعلى حدودها عند الحصاد ، ولم يعد من يصحو أبكر يتسلل إلى حدود الأرض المفتلح ويغير مكان الأوتاد حتى يسرق شوال قمح من أرض أخيه أو ابن عمه ، أو جاره.
الطعام الان أكثر تنوعا وأفضل طعما وأكثر توفرا لأكبر عدد من الناس .. الماء أنظف ويصل إلى البيوت كذلك الكهرباء ووسائل الراحة والنظافة.
لا ننكر ان هناك الكثير من المشاكل والتعقيدات والسلبيات في المجتمع الحالي ، لكن علينا مواجهتها، وليس قضاء الوقت في النواح على ماض لن يعود.
في المجمل فإننا عباقرة في دفن الإنجازات والعودة إلى نقطة الصفر وما قبلها … لذلك صرنا صفرا على الشمال ، ونحن مرشحون – إذا ظلينا ع هالرشّة- للخروج حتى من هامش دفتر التاريخ.
وتلولحي يا دالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى