معاناة الإبداع .. وإبداع المعاناة / يزن النعانعة

معاناة الإبداع .. وإبداع المعاناة
قناة الكرك الفضائية أنموذجاً

لا يختلف اثنان داخل وطننا أن الحالة الشبابية شهدت طفرة في ظهورها وابداع معاناتها خلال العامين الماضيين ، كان للسخرية والتهكم وتجريد الواقع الحظ الأكبر في فتح ابواب الاردنيين أمامهم كبديل عن تشنج الوجوه ، ونمطية الإبداع التقليدي المدعوم حكومياً .

ابداع الأفراد وخلق البيئة لالتحاق الجماعات الشبابية كانت ولا زالت منهجية كل المبادرات الابداعية الشبابية ، مع كل تنوعاتها وتشعبها ، سياسية واعلامية واجتماعية وحتى علمية وفنية ، وربما مردّ ذلك لانحطاط الدعم الحكومي الموجّه واختفاءه وقصوره ، فبينما يشكل الشباب من سن ١٨ – ٤٩ سنة نصف الأردنيين تقريبا كما أظهرت نتائج التعداد العام لعام ٢٠١٥ ، يعجز الأداء الحكومي عن مواكبة هذه النتائج أو حتى الوقوف أمامها ، فقد خلت موازنة الحكومة لهذا العام والأعوام السابقة من أي اشارة لتبني الحكومة لأي مسؤولية عن هذه الشريحة العريضة من الأردنيين ، إلا اذا اعتبرت الحكومة الدعم الهامشي الدي تقدمه للمجلس الأعلى للشباب كواحد من الوحدات الحكومية التي تم رصد مبالغ لها مجتمعة ضمن الميزانية والتي لا تكفي لدعم رواتب موظفي المجلس الأعلى نفسه .

بهذه الحالة من تلاشي الدعم الحكومي ، مع ارتفاع نسب البطالة بنسب تجاوزت 30% حسب الأرقام الحكومية ، ورفع اليد عن أيّة بادرة شبابية وفي كل المجالات !!

وفي واقع كواقع المحافظات الجنوبية ، التي أضحت مشاكلها وهمومها جزءاً معروفاً ومورثاُ شعبياً تتناقله أجيال وليس حكراً على جيلنا ، تظهر إبداعات وطاقات بين الشباب ، منها من يعلو بإبداعه الى أن يلامس سقف البيروقراطية فيتحطم ، ومنها من يتمدد أفقيّاً بعيداً عن النجاح ومعه البعد عن الفشل الذي تفرضه الحكومة أو أيّ من ممثليها الصغار أو الكبار ، ومنها من ينجح بوساطة أو أو دفعة شبه حكومية يضحى معها النجاح آنيّاً سرعان ما يتبخر ومعه أحلام وآمال آخرين غُبنوا من المحاباة وتلاشي العدالة .

ومع تنوّع الآمال والأحلام طفت الى السطح ” مواقع التواصل الإجتماعي ” ففتحت نوافذ مغلقة ، وتجاوزت أبواب موصدة ، وأغنت كل فكرة ومبادرة وإبداع عن مقابلة مسؤول ليدعم أو لا يدعم .
فضجت مواقع التواصل بآلاف الصفحات تحمل المبادرات ، وتنقل الإبداعات ، وتنمي الذكاءات ، وتجذب الطاقات وتحتويها ..

ومن هذه الطاقات والإبداعات ظهرت صفحة على موقع التواصل الإجتماعي ” فيس بوك ” تحمل اسم ” قناة الكرك الفضائية ” ، تنقل أخبار المحافظة ، وتخاطب أهل المحافظة بلهجتهم المحلية ” الجميلة ” ، برع أصحابها بمقاطع تمثيلية تصور واقع الناس ومعاناتهم ، وتنتقد أخطاءهم وعثراتهم .

شاهدت هذه المقاطع المصورة ، بطرق بسيطة وبأدوات عادية ، تُتداول بين الناس ، وتنتشر بين المجتمع الكركي بشكل لافت ، دلّ على شغف هذا المجتمع بالسخرية وتقبله للنقد البنّاء – اللطيف – ، ووعي مجموعة من القائمين على صفحة بسيطة على موقع التواصل الإجتماعي ” فيس بوك ” بمجتمعهم وإدراكهم لهمومه ومفاتيح بث السعادة فيه .

من صفحة على ” فيس بوك ” لم يتجاوز عدد متابعيها 100 شخص ، الى صفحة تحتوي ما يقارب الـ 100 ألف شخص استطاعت الصفحة أن تشكل لهم مصدراً مهما لأخبارهم المحلية السريعة والعاجلة ، ومنبراً لبث همومهم ومشاكلهم ، وفرصة لقراءة واقع المحافظة بلهجته وتراثه وجانبه الساخر خفيف الظل .

قناة الكرك الفضائية بأدوات محدودة ، ودعم فردي ، وجهود شبابية استطاعت أن توفر برنامجاً مسائياً يتابعه أكثر من 6000 شخص يبث من خلال خاصية ” البث المباشر ” عبر فيس بوك .

ما سقته هنا عن ” قناة الكرك ” يشبه مئات بل ربما أكثر من الصفحات الناجحة عبر المنصات الإلكترونية ، ويشبه أكثر كفاءة شبابنا وطاقاتهم ، ويتقاسم الشبه مع إبداعهم .

قناة الكرك الفضائية ، من تحت أنقاض التهميش والعزلة الجغرافية ، ومن بين رماد الإحباط وانعدام الثقة ، يعلو خيط دخانها ، ليجمع أسرة كبيرة بدفء حولها ، وتضع أكثر متابعيها وهم من المغتربين بين أهلهم ، بلهجتهم ومفرداتهم ، ورائحة الكرك في أصواتهم .

yazan_h1987@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى