الطفل والحمار / يوسف غيشان

الطفل والحمار

الأسلوب الأفضل لعرض القضية، هو التبسيط الى أكثر حد ممكن، بدلا من التعقيد حتى الحد الأقصى. فلنأخذ اية قضية نعاني منها في العالم العربي ، كالقضية الفلسطينية، على سبيل المثال لا الحصر..وهي قضية تبدو من الخارج معقدة وعصية على الحل ، لكننا اذا قمنا بتحليلها الى عواملها الأولية ،سنجد أنها بسيطة وواضحة، مثل مشاعر الأطفال.
بالمناسبة ، فإن ما يصلح على القضية القضية الفلسطينية يصلح لنا نحن العربان المستعربة ، من سبته ومليلة ، حتى الجزر الثلاث ، أو الأربع.
تقول الحكاية، التي وردتني على الانترنت، بأن حمارا دخل إلى مزرعة في غفلة من صاحبها، وصار يرتع ويرعى من المزروعات. ولما جاء صاحب المزرعة، قرر طرد الحمار ، لكنه احتار في الطريقة الأنسب والأنجع، التي تتناسب مع المواثيق الدولة المتعارف عليها، إلى ان توصل إليها بعد تفكير عميق ومرهق.
جاء بمسامير ولوحة وقلم تخطيط ،وكتب لافتة عملاقة علقها أمام الحمار مكتوب عليها : “أخرج يا حمار من مزرعتي”
لكن الحمار لم يأبه ، واستمر يمضغ. قال الرجل في نفسه:
– ربما لم يفهم الحمار مدى جدّيتنا.
فاستنفر أخوته وأقاربه (يعني مؤتمر قمة تقريبا) وكتبوا مجموعة من اللافتات:
– اخرج يا حمار!!
– فلتسقط الحمير
– لا صلح لا مفاوضات
– ويلك ياللي تعادينا
حمل الإخوة والأقارب هذه اللافتات وما انفكوا يدورون حول الحمار حتى أنهكهم التعب ، لكن الحمار لم يأبه بهم واستمر يمضغ.
في اليوم التالي صنع الرجل مجسما كبيرا لحمار ووضعه قبالة الحمار المعتدي وسكب عليه البنزين وأحرقه وسط تهليل وتكبير الأخوة والأقارب . نظر الحمار بفضول وخوف نحو النار المشتعلة ، لكنها كانت بعيدة عنه، وصارت تخبو، فاستمر في المضغ.
في مؤتمر قمة أخر مع الأخوة والأقارب، أرسلوا وفدا لمفاوضة الحمار ، وشرحوا له القوانين الدولية التي تحرم الاعتداء على أراضي الغير، وبينوا له العقوبات والغرامات التي ستقع عليه ان هو استمر في عدوانه. نظر الحمار إليهم وشعر بأنهم مسالمين، فاستمر يمضغ بكل أمان واطمئنان.
أرسلوا وفدا آخر أكثر مرونة ، طرح الوفد على الحمار الحصول على جزء من المزرعة وترك البقية لصاحب المزرعة. نظر إليهم الحمار بفتور ، واستمر يمضغ بأمان واطمئنان. حاولوا مفاوضته، وقالوا له بعد مقدمة طويلة حول العدالة وحول قبول الآخر والتعايش السلمي وما يشابه ذلك من عبارات..قالوا:
– خذ ثلث المزرعة واترك الباقي!!
فاستمر يمضغ
– خذ النصف واترك الباقي !!
استمر يمضغ
– خذ ثلاثة أرباع….
كان الحمار آنذاك قد شبع من الأكل فتحرك قليلا إلى طرف المزرعة ليتبول ويتبرز… فرح الجميع واعتقدوا بأنه وافق على الشروط وشرعوا بتقسيم المزرعة إلى نصفين بينهم وبين الحمار ، لكنه بعد قليل نهق وعاد إلى مكانه وسط المزرعة وانهمك في المضغ بتؤدة، وهو يفكر في نفسه ويقول:
– ان هؤلاء القوم أناس محترمون يتركونني آكل كما أشاء من مزرعتهم ويحرسونني ، ولا يفعلون كما فعلت القرى الأخرى التي كان الناس فيها يطردونني ويضربوني بكل شراسة… سأبقى هنا إلى الأبد.
أصاب صاحب المزرعة وأخوته اليأس وكادوا يرحلون عن مزرعتهم، ويتركوها للحمار العنيد.
بالمناسبة لن يخرج الحمار من المزرعة ، الا اذا خرج من بين أصحابها الأصليين اطفالا صغارا في ربيع اعمارهم، وقاموا، أولا، بتوبيخ أهاليهم لأنهم فرطوا بالأرض ، ثم حملوا عصيا وأسواطا ،وهجموا على الحمار ليطردوه من المزرعة.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى