
وثائق بنما أردنيا : فساد بالحبر السري
أطل رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور يوم 4/ 4 / 2016, مفتخرا خلال استقباله رئيس مجلس الأعمال العراقي وقال: لا يوجد قضية فساد واحدة أخر خمس سنوات, ولو حتى إشاعة ” .
نسي الرئيس, أن هيئة مكافحة الفساد في تقريرها لعام 2013 تعاملت مع 230 قضية, وفي عام 2014, 151 قضية. فهل إطلع على الأرقام الحقيقية, قبل أن يطلق تصريحه الساخر !
المحزن أنه يحصر الفساد, في اختلاس الأموال بإعتبار ذلك فسادا مطلقا وما دونه مخض هراء.
لكنه لا يعتبر تعيين الأقارب في الوظائف العليا فسادا, و التجارة غير المشروعة فسادا, وإحالة العطاءات وتلزيمها على مستثمرين بعينهم فسادا, وحماية الفاسدين فسادا, ومنع الإعلام من طرح الأسئلة ونشر الحقائق فسادا, و التحفظ وإغلاق الملفات فسادا. وتداول المشاريع بين أعضاء الحكومات فسادا, وخداع الحكومة واستثمار الوظيفة فسادا.
دولة الرئيس, الفساد المالي ليس إلا نوعا واحدا من الفساد, وهو وإن كان موجودا, لكنه ليس بعمق الأنواع الأخرى, لرتباطها بالقوانين وطريقة عمل المسؤولين, من وزراء ونواب ورجال دولة, فساد مؤسسي حقيقي لا ينكره إلا كاذب أو كاره جاحد, فساد يشكل دولة داخل الدولة.
طاقية الإخفاء
في الإسبوع الماضي نشر الإتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية تحقيقاته الخاصة بتسريبات بنما على نطاق واسع.
تعرضت إدارة راديو البلد وموقع عمان نت للضغوطات لحيلولة دون نشرهم التحقيقات, إلا أن الإدارة أصرت على النشر, مهما كانت النتائج.
فشلت الحكومة في منع الشعب من الاطلاع على التحيقيات, فالفضاء لا يمكن التحكم به, مهما امتلكت الدولة من الأدوات لذلك.
لكنها نجحت في تجهيز ملف خالد شاهين ورميه في سوق الإعلامي, للتغطية على رؤوس الفساد الذين وردت أسمائهم في التحقيقات, بهدف خلط الأوراق بين المواطنين, وصرف تركيزهم, عن رئيس الوزراء الأسبق ومن يقف خلفه, والذي يعد فساد خالد شاهين أمامه مجرد طفل في طور الخلق.
فالدولة معنية بالتستر على التحقيقات ومنع فتحها, والإكتفاء بالتضحية بخالد شاهين, لا نتيجة عدم مقدرتها على مواجهة الفاسدين, بل لأن رئيس الوزراء الأسبق عراب القوانين المؤقته, والمشاريع المشبوهة, أقوى منها بما يمتلكه من وثائق وأسرار.
شركات لا شرعية
المتهمون الأردنيون الذين تناولتهم الوثائق, اسسوا شركات سرية في جنات الملاذات الضريبية للحفاظ على سريتها وتسهيلا لانشطتها – في بنما , جزر العذراء, جيرزي, سويسرا ” أعمال هؤلاء لا أحد يعلم طبيعتها, لكنها تحصر في التجنب الضريبي, و التجارة غير المشروعة من تهريب الأسلحة, إلى المخدرات, إلى غسيل الأموال , والجنس, إضافة للمشاريع الوهمية. شركات أسست في الخارج, لتعود لاحقًا وتدخل كشركات أجنبية, لتنفيذ مشاريع وجدت من أجلها, بعدما تم إقرار القوانين لصالحها.
استئجار الإعلام
صحفيا, لم تطرح الأسئلة الحقيقية لمعرفة طبيعة أعمال الشركات ومن يقف خلفها, كون الإعلام استأجر ووجه إلى غير وظيفته كسلطة رابعة, إذ لم نرى حديثا عن الآثار والمضار المترتبة جراء عمل الشركات وتنفيذها للمشاريع الحكومية ؟ كما لم نسمع حديثا عن ضحايها, وقيمة المبالغ التي تم السطو عليها باسم المشاريع, وماهية المشاريع التي تم تنفيذها وقيمتها الحقيقية, وحقيقة مشاريع توسعة مصفاة البترول, وتأسيس البنوك, وشركة موارد, ومياه الديسي, وحقيقية 112 قانونا مؤقتا, من ضمنها قانون المخابرات, وقوانين وجدت لشرعنة دخول الشركات وتسهيل أعمالها المشبوهة, بعلم مجلس النواب !
الإعلام عمل على حرف الحقيقية , إذ ارتكز في البحث عن المستفيد من نشر الوثائق لتحصر في الولايات المتحدة, وأن الأموال من الأن ستوجه إلى بنوكها ومؤسساتها المالية؛ لكنها – أي الصحافة – تناست أن واشنطن منعت التعامل مع الشركات منذ سنوات جراء خطورة اعمالها. دون أن تسأل لماذا سمحت الدولة الأردنية لهذه الشركات بالعمل في اراضيها؟
أردنيا, سؤال واحد يهم المواطن, أحقا فعل هؤلاء ذلك؟
أحقا تدار الدولة بأسلوب زوجة الأب, بحيث توزع الإمتيازات والعطاءات والمشاريع وحتى الموارد على الأخوة والأقارب والأصدقاء , دون علم الزوج ؟
مسؤولية اخلاقية
دولة الرئيس عبدالله النسور قبل أن تتحدث عن خلو الأردن من الفساد, لابد أن تعي جيدا ماهيته و أنواعه.
ومن الضرورة بمكان, الإطلاع على المادة 3 من قانون الكسب غير المشروع لعام 2014 التي تنص على :” تطبق أحكام هذا القانون من تاريخ نفاذ أحكام قانون إشهار الذمة المالية رقم 54 لسنة 2006, على كل من شغل ( أنظر إلى استخدام الفعل الماضي ) أو يشغل ( أنظر إلى استخدام الفعل المضارع ) أيا من الوظائف التالية من ضمنها , وظيفة رئيس الوزراء. هذا يعني أن القانون يشمل رئيس الوزراء الأسبق الفاسد, فلماذا لم تفتح التحقيقات إلى الان ؟
كما يا حبذا الإطلاع على المادتين رقم 4 و رقم 5 من القانون ذاته. خصوصا ما تعلق باستثمار الوظيفة , وإساءة استعمال السلطة, و الإخلال الوظيفي.
الخلاصة : تردد الحكومة في الكشف عن أعمال شركات ” الاوف شور ” يقود المواطن للشك بتغلغلها وسيطرتها على مشاريع الدولة, بمعرفة الحكومة وعلمها ومباركتها.
وعليه إن أرادت الحكومة نفي مسؤوليتها عن أعمال الشركات الممنوعة, فما عليها إلا فتح التحقيقات وكشفها على حقيقتها, وإظهار قيمة المبالغ الضريبية التي تهرب المسؤولون من دفعها, وطبيعة الأعمال التي قامت بها, فالحكومة ذات مسؤولية قانونية وأخلاقية عما يدور في الدولة.
أليس كذلك ؟
#خالدعياصرة
kayasrh@gmail.com