القرآن..كتاب الله 1/2 / د. هاشم غرايبه

القرآن..كتاب الله 1/2

الغالبية العظمى من البشر يؤمنون بوجود الله، لكن ليس جميعهم يؤمنون بأن الله أنزل رسالات وكتبا من عنده، ورغم بقاء القرآن منفردا بينها سليما من أي تحريف، إلا أن غير المسلمين لا يقتنعون أنه كتاب الله حقا، لكن يبدو ذلك متوافقا مع العناد البشري التقليدي، فلو آمنوا بذلك ..فما هي حجتهم أن لا يسلموا؟.
سأطرح فيما يلي البراهين العقلية، لإثبات أنه من الله وليس بشرياً، ملتزماً في ذلك المنهج العلمي.
أولا: المعطيات:
1 – القرآن بين أيدينا، فهو ليس حدثا تاريخيا مضى وانتهى، بل هو موجود ماديا، وبدقة تامة، وبصياغة متطابقة بين ملايين النسخ الموجودة في العالم، لذا لا مجال للطعن بصحة أية نسخة، إذن فهو محفوظ من أي تلاعب به.
2 – تم العثور على نسخ قديمة منه تعود الى زمن نزوله وأحدثها نسخة مكتبة برمنجهام في تموز 2017 ، ونسخة جامعة توبنجن عام 2014 ، وغيرهما، وقد أكد الخبراء أن الفحص بالكربون المشع أثبت بدقة 95 % أن عمر الجلد المكتوبة عليه يعود الى عام 635 م تقريبا، وإذا علمنا أن نزول القرآن استمر منذ عام 610 – 632 م ، وبما أن هذه النسخ مطابقة تماما وحرفيا لما هو بين أيدينا، فإن ذلك يعني أنه محفوظ من التغيير عبر العصور.
3 – لذلك فالقرآن الموجود الآن هو ذاته.
ثانيا: الفرضيات: هنالك افتراضان لا ثالث لهما يتعلقان بمصدره: إما أنه من وضع البشر أو من الله.
الإفتراض الأول: أن مصدره بشري، وله أيضا احتمالان:
(أ)من وضع النبي (صلى الله عليه وسلم)ذاته.
(ب) أخذه عن آخرين.
(أ) – افتراض أن محمدا هو من وضعه بنفسه، ونسبه الى الله، لأنه مصلحٌ عبقري أتى بما لم يأت به أحد قبله لا بعده، أمر تنقضه الوقائع التالية:
1- صياغة القرآن بلغة بليغة وبأسلوب لم يعرفه العرب قبلا، وهذا الأمر مؤكد ويعرفه كل من يتقن العربية، وقد تحدى القرآن العرب الذين كفروا به أن يأتوا بمثلة ثلاث مرات ولم يتمكنوا، وبما أنهم أهل البلاغة والفصاحة فلو كان من كلام من حاربوه ومانعوا دعوته، لكان الإتيان بمثله أفضل وسيلة.
2- هنالك أحاديث نبوية كثيرة، لكن المتفحص يجد أن لغتها رغم بلاغتها تختلف تماما عن لغة القرآن، ويمكن بسهولة تمييز الحديث من الآية، فلو كان الإثنان مصدرهما واحد ، هل يمكن لشخص واحد أن يملك هذه الإزدواجية ولا يخطيء خطأ واحدا طيلة 23 عاما؟.
3- المعروف بشكل لا شك فيه أنه(صلى الله عليه وسلم) كان أميا، لا يمكنه كتابة الملاحظات ولا المراجعة، والآيات كان يبلغها للصحابة غير متسلسلة وغير مبوبة، ويخبرهم أن يدونوها قبل كذا أو بعد كذا، وطوال ثلاثة وعشرين عاما، لم يتح فيها للنبي يوما من الإطمئنان والسكينة لكي يتأمل ويفكر حتى يؤلف، بل كانت حافلة بالمطاردة والحصار والحروب، وفي النهاية أتت آياته وسوره بهذا الشكل المترابط المحكم الذي لا تجد فيه تضاربا ولا تناقضا.
4- إحتوى القرآن على تشريعات تفصيلية دقيقة ومتداخلة مع أخرى لم تنزل معا، بل على فترات متفاوتة، مثل أحكام الميراث والأحوال الشخصية والحدود..الخ، ولم تكن مما خبره الناس آنذاك، ولا من ثقافتهم التي كانت رعوية قبلية، ولم يكن ذلك في الأمم المجاورة أصلا، وهي مُحكمة لا تناقض بينها، ومع تطور البشرية الى الآن لم يجد أحد فيها عيبا او نقصا يمكن إكماله، وهذه الإحاطة الشاملة بكل ما يتطلبه الإنسان ليست ممكنة لفرد مهما بلغت عبقريته، ولا يمكن أن يحفظها غيبا من غير أن تكون مدونة ليوصلها لأتباعه على مدار ثلاثة وعشرين عاما.
(نستكمل غدا بإذن الله)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى