
جعلوني…مريضًا
المهندس باهر يعيش
ألمريض,مخلوق آدمي هو الأكثر حساسيّة. له أنف يشتمّ وعينان ترى وأذن بها مجسّات حسّاسات تلتقط دبّة البرغوث.
كان …زمان ,يعرض في فترة ما(كان)هناك سينما عربيّة,ذات معنى في سيناريو وحوار وتمثيل وأخراج(رحمها الله),كان هناك فيلما عربيا مصريا أسمه(جعلوني مجرما)وقد أقتبست عنوان مقالي هذا منه.
أنت تعاني من (نفخة)قد تكون من تناول فصيل من قرنابيط أو من كلمة ثقيلة من ثقيل تئنّ تئزّ تنفخ كلّ تجاويف جسدك وبلالين قلبك و القرب المثقوبة في نفسيّتك.أو تعاني من أي عارض يجعلك تأنّ وتتألّم ..تتصابر, لكنهم سيضغطون عليك للذهاب للعلاج.هذا المخلوق الذي هو أنت, سيبدأ مرحلة هامة تغيّر كلّ ما فيه وعلى رأسها إسمه.سيشطب إسمك من قائمة الأسماء وستنعم بلقب جديد.ستنضمّ إلى مخلوقات أخرى جرى مسح شطب أسمائهاواستبدالها بألقاب أو صاف تهزّ البال وتزعزع الثّقة والأيمان بنفسك و آدميّتك لقب عتيد عنيد(سيلزق بك ألى ما بعد اللّحد).
تبدأ المأساة(التراجيديا)بعد تسجيل إسمك أيّها المخلوق على نموذج معدّ مسبقا في موقع العلاج تحت عنوان(أسم المريض).أسمك الذي ألصقوه بك بلا أستشارة أو استمزاج رأي حينما أنزلقت أندلقت من رحم أمّك وكنت راضيا به قناعة أو استسلام …لا فرق!!هذا الأسم سيستعمل في هذا الحقل للمرّة الأخيرة منفردا.بعد التسجيل سيطلق عليك ستنادى بلقب (المريض/المريضة)جاء المريض أين المريض خرج المريض أو…مات المريض.أنت ستصبِح من أتباع من يعالجونك تكنّى بتبعيتك لهم،بل سيضمّونك أنت وأمثالك من المنفوخين إلى تبعية من يعالجك. فيقول المعالج”هذا مريضي” وأنت ساهم منسجم في جلسة أنس في محفل في ندوة تخطب تتفلسف تنظّر من على منصّة منفوخا معتدّا بنفسك وأنت(غايب …فيله)لا تدري أنّه يشير أليك.يقولون هذا مريض المعالج/المعالجة فلان/فلانة وستبقى كذلك حتى لو تشافيت وتعافىت بحمد الله،أو حتى إنتقلت إلى رحمته تعالى مع تعديل بسيط حيث يقال:”كان/كانت” مريضة المعالج فلان/فلانةأو كان”مريضي”.أنت أصلا لم تكن مريضا,كنت منفوخا و…من منّا لم تطاله نفخة في هذا الزّمن(المريض)زمن النّفخ والأنتفاخ هم:جعلوك…مريضا.
نعود لمخلوقنا في بداية الزيارة الأولى،حيث يسمعها للمرّة الأولى.يشك فيما سمعه،يخال أن المقصود مخلوق آخر حين ينادى عليه”المريض صابر تايه مايل غافل”…لا فرق.سيسمعها حين يتناولونه بضمير الغائب،جاء المريض,يقول المريض ,يزيدونهمرضا …على مرض,حتى بعد أن يشفى يحرجونه حتى يخرجونه.سيتداول العامة والخاصة لقبه الجديد حين التّطرّق إلى ذكره في أيّ معرض حتى لو بريء منه قبل خمسين خريفًا …أم شتاءً.لماذا نعدّ العمر بالربيع,فنقول ثلاثين ربيعًا.لم لا نقول الحقيقة(خمسون …ستون مائة)خريفا,ألا تسقط الأوراق…خريفا ؟!
سؤال أخير ألى ولاة أمور أمراضنا ومرضانا ,ولاة أمورنا نحن المرضى,ومن منّى لم لن سوف لن يكون..مرضى!؟لماذا بربّكم لا تشيرون ألينا بألقاب أكثر أنسانيّة و(تشرح القلب لا تغمّه).مثلا المراجعين ,المتشافين,الطيّبين أو حتّى الزّبائن العملاء .نحن نرضى بتلك الألقاب…ألسنا كذلك؟!
المهندس باهر يعيش
mbyaish@gmail.com
