عندما نتحول جميعا لصحافة صفراء / مسيد المومني

عندما نتحول جميعا لصحافة صفراء

افتقاد أحدنا للأخلاق والإنسانية شذوذ عن مجتمع سوي يُغض الطرف عنه باعتبار توقع عودته إلى رشده، أما أن ينسلخ كامل المجتمع ويخلع إنسانيته فهذا ما لا يتقبله عقل، حديثي هذا وإن كان سيهاجم ويجد له الأغلب تبريرا إلا أن دافعه الأسف على ما آل إليه حالنا، التخبط الذي أوجدنا فيه رغما عنا، وصرنا المحرك الرئيس له.
قتل الطفلة نبال ببشاعة سبقها مقتل الزوجين في بلدة دير السعنة، ومقتل شاب لوالدته لحظة سقوط الطفلة أسيل في المنهل، يتبعها أسيد اللوزي، وغيرها من الحوادث التي تسابق المجتمع على تناقل أي جزئية تخصها دون التأكد من صحتها بغية السبق أو لفت الانتباه لنقل تطورات القضية- والتي غالبا ما تكون غير صحيحة- أو لأي سبب كان، جعل منا منصات (صحافة صفراء) نتفنن في تداول الإشاعة ونقلها، والبعض أتقن التحريف حتى وصل به الأمر للرجوع إلى فيديوهات قديمة لجرائم لا تمسّ القضية بصلة، حتى زعزع مفاصلنا من هول ما يحمله الفيديو من مشاهد عنيفة ودموية، فأي سادية هذه؟!
البعض الآخر وجد في صور وفيديوهات لحظة وقوع الحوادث منبرا أسرع ليحصد الكثير من الإعجابات والمشاركة للفيديو، ليقال أنها من صفحة فلان، فلا هي رفعت من قيمته، ولا هي زادت من رصيده المالي، بل إنها فقاعة يزول أثرها فور انتهاء تداول خبر القضية، لينتقل إلى قضية أخرى يجد فيها منصة للظهور والشهرة ثانية، دوامة داخل دوامة داخل أخرى، والمتضرر الوحيد أهالي الضحايا (الموت لا يؤلم الموتي، الموت يؤلم الأحياء) قالها درويش لنصبّ على جرح الأحياء خلاً.
لم تصدّنا مناشدة أهالي الضحايا للامتناع عن نشر مآسي ستلازمهم عمرا طويلا، وغصة يستحيل الخلاص منها، لم نسمع أنين أم فقدت طفلتها ببشاعة ولا صرخة أب مكبوتة يجلس خلف شاشة تنقل جثة طفله من صفحة لأخرى. فقدنا إنسانيتنا، بعذر أقبح من ذنب.
فعلينا اعتبار ما يتداول درسا أخلاقيا لنا جميعا، ودعوة لأخذ الحيطة والحذر، ونداءً للصحوة، مع إدراكنا لما في نفوس الجميع من النخوة، لكن دون أن تكون الدوافع من وراء تسارع نقل المعلومة عباءة مهترئة على تأتي على مقاس مطلقها، فتفاقم هوة اللاشعور داخلنا، لتحل محلها البلادة والجمود العاطفي.
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى