وزارة الثقافة / د . رياض الياسين

وزارة الثقافة

تلعب وزارة الثقافة دورا مهما في الحفاظ على الهوية الوطنية والمكونات اللازمة لشخصية الدولة،وهي معنية بمراعاة التنوع الثقافي لدى التكوينات والحفاظ على مكتسبات الدولة والمجتمع،بحيث تسعى لخلق القيم التراكمية امام الأجيال المتعاقبة،وليس خلق إدارات طوارئ لمواجهة أفكار مؤدلجة وخطابات لجماعات تكونت في ظل غياب الدول الوطنية والقومية وهويتها الأساسية.

وزارة الثقافة يفترض ان تكون مرنة جدا في التعاطي مع نتاجات التأثير الثقافي للعولمة بحيث تتطور آليات وخطابات التأثر والتأثير بين الثقافات العالمية خاصة في إطار انسياب الثقافة والفنون والاداب التي بين المجتمعات عبر وسائل تتناسب وتطورات العلوم والتقانة خاصة بالنسبة لوسائل الاتصال في سياق العولمة.

انطلاقاً من تتبع مفهوم السياسات الثقافية والحرص على تبني مفهوم جديد للسياسة الثقافية مختلف عن المفاهيم التقليدية، بحيث تقوم السياسة الثقافية على توسيع مفهوم الثقافة والعمل الثقافي والاخذ بعين الاعتبار ثقافة الاخر من خلال الانفتاح ومأسسة العمل الثقافي واشراك الجميع في صياغة هوية الثقافة، فهناك فئات كبيرة داخل المجتمعات مجهولة الدور والفعالية في العمل الثقافي مثل الطفل والمرأة،الى جانب أقليات لها طابع ثقافي مغاير لمجموع المجتمع فهي بهذا المعنى فئات مهمشة من اكثر من زاوية.

مقالات ذات صلة

وتبين اهمية الثقافة في احداث التنمية الشاملة لدى الدولة ، فالثقافة ركن اساس من اركان الدولة الحديثة في ظل العولمة،ومن هنا يفترض أن تتجاوز وزارة الثقافة الدور التقليدي بوصفها راعية لمنتجي الادب فحسب كما جرت عليه العادة في الحالة الاردنية. والغريب في الشان الثقافي الأردني هو طغيان النمط التقليدي الذي يتقوقع فيه المفهوم الضيق للثقافة باعتبارها تركز على نوع معين من الابداع الادبي كما هو في حالة الثقافة الاردنية،فلم نسمع مثلا بعد كل التحولات العالمية مثلا بوجود مقترح لقانون تضعه وزارة الثقافة بصفتها جزء من السلطة التنفيذية ليصار الى تعديله او اقتراح مشاريع قوانين لها صلة بالقضايا ذات البعد الثقافي امام الجهات المخولة بالتشريع،مما يدل على أن الاستراتيجيات الثقافية ظلت محنطة لفترة طويلة وتدور في فلك بعيد عن فلسفة الثقافة في النهوض المجتمعي وإثراء الهوية الوطنية وتحصينها إزاء التطورات العالمية الهائلة والعالم في مرحلة ما يسمى ما بعد الحداثة.

هناك مايسمى في الدول ب”السياسة الثقافية” فتقوم الدولة بوضع تشريعات فيها من المرونة بحيث تراعي الاتفاقات الدولية ً، كذلك العمل على بناء ما يسمى “الدبلوماسية الثقافية” فالعلاقات الدولية الحسنة تثري وتعزز التبادل الثقافي وتصب في تعزيز مفهوم السياسة الثقافية،كذلك تسهم الثقافة في ترطيب سخونة بعض الاجواء السياسية بين الدول احيانا.

وزارة الثقافة حظيت برعاية وزراء متميزين في أكثر من مرحلة، لكن على مايبدو لم تكن الهوامش المتاحة كافية ولم تدرك الحكومات اهمية العمل الثقافي ودور وزارة الثقافة المهم في المجتمع والدولة،والمسألة لا تتعلق فقط بوجود وزير نشيط ومتميز بقدر ماتتعلق بسياسة الدولة وإدراك المسؤولين والساسة لقيمة الرسالة وأهميتها.

وزارة الثقافة لم تصنف ضمن الوزارات الرئيسية،فهي ليست وزارة سيادية، كذلك هي ليست وزارة خدماتية بالمعنى الحقيقي للكلمة،وربما يقول قائل هي وزارة خدماتية ضمن نطاق ضيق باعتبارها تتولى التعامل مع نخب مجتمعية لها تأثير على المجتمع فهي بهذا المعنى تنسحب بمهمتها لخدمة المجتمع عموما.

وللامانة فقد قفزت وزارة الثقافة الأردنية في العقد الاخير قفزات نوعية،فوسعت من دورها وفعلها الاعلامي على أكثر من صعيد،ومن هنا نقرأ تبنيها لأفكار من مثل فكرة المدن الثقافية الاردنية وفكرة مكتبة الاسرة،واحياء المؤتمرات الثقافية الوطنية، ونشاطها في مجال الحفاظ على التراث بشقيه المادي وغير المادي والمشاريع المتربطة به،الامر الذي يجعل المهمة تنحو منحى أقرب الى الشعبوية بما يتجاوز النخبوية التي كانت سببا في تقوقع وتهميش الثقافة كمؤسسة رسمية لفترة طويلة نسبيا. وهنا من المهم القول أن مد المهمة باتجاه المجتمع المحلي يعدّ قفزة نوعية تعزز الرسالة الوطنية وتنهض بالمجتمع فالمسؤولية الثقافية هي في إخراج الثقافة من عباءة النخب الى الشرائح المجتمعية الاخرى على اختلاف تلوناتها.

كذلك يفترض أن يتوازى نشاطها المحلي مع الاهتمام في بعث وإحياء عشرات الاتفاقيات والبروتوكولات والتفاهمات الثقافية التي صادقت عليها الاردن من خلال وزارة الثقافة، فالالتزامات الدولية تبدأ مع المصادقة على هذه الاتفاقيات والتفاهمات من حيث إثراء الثقافة الوطنية وابراز صورتها عالميا بما يرسخ الدولة ويساعد في رسم صورتها الحضارية،كما أن من المهم مراجعة الاتفاقيات والتفاهمات التي صادقت عليها الاردن لزوما قبل أن نقوم بالمصادقة على اتفاقات وتفاهمات جديدة حتى لانغرق في فوضى تعثر الادوار نتيجة الالتزامات غير المدروسة.

تحتاج وزارة الثقافة الى استطلاعات من المعنيين والمهتمين والمختصين لمعرفة قياس الرضا للأداء،وقد يقول قائل إن هذه الوزارة ليست خدماتية فكيف سيكون مقياس الرضا الامر الذي يعقد المسألة أكثر،وبالمقابل هل تبقى وزارة الثقافة بعيدة عن فكرة عمل الاستطلاعات والاستبانات حول تقييم ادوارها وفلسفتها ،حتى لانترك المجال لكل من يتربص أو ليس لديه عمق رؤيوي ليقيم التجربة مثلا.
Rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى