
هل تحتاج تركيا إلى التحول للنظام الرئاسي ؟
يتوجه أكثر من 55 مليون ناخب تركي يوم السادس عشر من نيسان/أبريل الحالي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديل الدستوري المقترح من قبل العدالة والتنمية والذي صوت عليه البرلمان التركي قبل شهرين بأغلبية 339 صوتًا، إضافة إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين ناخب خارج تركيا
ويعتبر الاستفتاء الحالي من أهم الاستفتاءات التي مرت في تاريخ الجمهورية التركية، بل لعله الأكثر حساسية بينها إذ يتضمن تغيير نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي .
هل تحتاج تركيا للتغيير؟
ما زالت تركيا تحكم وفق دستور 1982 الذي صكته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980 وصوت الناخبون الأتراك لصالحه بنسبة 91.4%. ورغم إجراء 18 تعديلاً دستوريًا على هذه الدستور، إلا أنه ما زال يعاني من مشاكل بنيوية مستعصية.
تتمثل أولى هذه المشاكل في تقاطع وتضارب الصلاحيات بين مؤسسات الدولة المختلفة، إذ يمكن للرئيس صاحب المنصب شبه الرمزي والفخري في النظام البرلماني أن يرفض التوقيع على تشريعات يصدرها البرلمان فضلاً عن صلاحيات واسعة معطاة له فيما يتعلق بعمل الحكومة (السلطة التنفيذية).
كما أن من حق المحكمة الدستورية رد بعض القرارات الحكومية والتشريعات البرلمانية.
والسبب في ذلك أن من صاغوا ذلك الدستور أرادوا أن يجعلوا للقضاء والجيش وصاية ما على البرلمانات والحكومات، وأن يعطوا الرئيس (في حينها قائد الانقلاب كنعان أفرين) صلاحيات واسعة وإمكانية «فرملة» الحكومة والبرلمان في حال شبا عن الطوق، أو أرادا ذلك.
المشكلة الثانية تتعلق بكون السلطة التنفيذية في تركيا وفق الدستور الحالي برأسين، فرئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية وله صلاحياته المقرة في الدستور، لكن الرئيس أيضًا رأس الدولة ويحق له التدخل في عمل السلطة التنفيذية ومن ضمن ذلك رئاسة المجلس الوزاري متى أراد وغير ذلك من الصلاحيات.
وقد أدت هذه الثغرة إلى تكرر الأزمات بين كل رئيس ورئيس وزراء منذ 1982، حتى بين المنتمين لنفس الحزب السياسي مثل سليمان دميريل وتانسو تشيلر (حزب الطريق القويم) وتورغوت أوزال ومسعود يلماظ (حزب الوطن الأم).
بيد أن أبرز تلك الأزمات حصلت عام 2001 بين الرئيس أحمد نجدت سيزار ورئيس الوزراء بولند أجاويد خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، حين رمى الأول كتيب الدستور التركي في وجه الثاني، وترَكَ الأخيرُ الاجتماع.
زاد من حدة هذه المشكلة التعديلُ الدستوري عام 2007 والذي شرَّع انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة وليس عبر البرلمان، الأمر الذي منح منصب الرئيس شرعية شعبية تضاف لشرعيته الدستورية والصلاحيات الواسعة المعطاة له.
أدى ذلك إلى تعمق أزمة ازدواجية رأس السلطة التنفيذية والتي كان من نتائجها استقالة أحمد داود أوغلو في أيار/مايو 2015 من رئاسة الحزب الحاكم والحكومة إثر خلاف مع أردوغان على آلية اتخاذ القرار الحكومي ومرجعيته، رغم اتفاق الرجلين في التصور والرؤية والأفكار العامة وانتمائهما لنفس الحزب والتيار السياسي، الأمر الذي عنى أن الأزمات بين المنصبين وفق الدستور الحالي ومعضلاته القانونية أمر لا مفر منه مستقبلاً.
هل تحتاج تركيا للنظام الرئاسي؟
وفق ما سبق ذكره، تحتاج تركيا بكل تأكيد إلى الخروج من المعضلات الدستورية التي تهددها بأزمات سياسية واقتصادية بسبب النظام الهجين (عمليًا) الذي يحكمها، فلا هو نظام برلماني خالص يتمتع فيه رئيس الحكومة بكامل الصلاحيات مع وجود منصب رئاسة فخري، ولا هو نظام رئاسي ناجز يتفرد فيه الرئيس في إدارة شؤون البلاد.
والحقيقة أن كل الأحزاب التركية الكبيرة والمعروفة، بما فيها الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان، تتفق على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد، لكنها لطالما اختلفت على التفاصيل وعلى كيفية الحل، وبالتالي تحولت الرؤية لدى حزب العدالة والتنمية إلى حل مؤقت يقتضي تعديل عدة مواد بدلاً من صياغة دستور جديد للبلاد.
وفق هذه الرؤية، ثمة حلان من الناحية النظرية، فإما أن تعاد البلاد إلى النظام البرلماني أو تتحول إلى النظام الرئاسي. بيد أن تاريخ النظام البرلماني في تركيا ليس ناصعًا جدًا.
فحالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد وعدد الأحزاب الكبير فيها منعا تشكيل حكومات من حزب واحد إلا قليلاً وفرضا في غالب الأحيان حكومات ائتلافية لم تتمتع بسجل مشجع.
يرى الحزب في النظام الرئاسي مخرجًا لتركيا من المشكلات البنيوية في الدستور ومن ازدواجية السلطة التنفيذية ومن تاريخ الائتلافات الحكومية التعيس، ويأمل بأن يتيح النظام الرئاسي فرصة تشكيل حكومات قوية ومستقرة ومتجانسة لتخلصها من السطوة الحزبية والمناكفات السياسية والتقاطع مع العضوية البرلمانية وإمكانية الاعتماد على التكنوقراط وغير الحزبيين، إضافة لتمكين البرلمان من تفعيل عمله الرقابي بشكل عملي، وهي المقاربة التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية وشريكه في المشروع حزب الحركة القومي واعدَيْنِ بتركيا جديدة .
يحذر حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة من الصلاحيات الواسعة المعطاة للرئيس معتبرًا أنها ستفضي إلى حكم الفرد وإلى «الدكتاتورية الديمقراطية».
يتكون التعديل من ثماني عشرة مادة، جزء منها عام مثل مواد رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن كل خمس سنوات، وإلغاء المحاكم العسكرية، وتنظيم انتخابات «هيئة القضاة والمدعين العامين».
أما الجزء الآخر – والأهم – فهو الخاص بالتحول للنظام الرئاسي، أي شروط الترشح للرئاسة وصلاحيات الرئيس وآليات محاكمته والعلاقة بين المؤسسات المختلفة سيما الحكومة والبرلمان.
أشير هنا إلى أربع نقاط على سبيل المثال لا الحصر:
محاسبة الرئيس
لا يمكن محاسبة رئيس الجمهورية وفق الدستور الحالي إلا بتهمة خيانة الوطن (الخيانة العظمى) وبآلية شبه تعجيزية،
بينما يتيح التعديل الجديد محاكمة الرئيس لأي سبب باقتراح نصف أعضاء البرلمان زائد واحد وموافقة ثلثي أعضائه على تقديمه للمحكمة العليا.
.
رقابة البرلمان على الحكومة
يحق للبرلمان وفق مقترح النظام الرئاسي المستفتى عليه توجيه أسئلة خطية للوزراء وإجراء تحقيقات وتشكيل لجان بحث، لكن لا يحق له إعطاء الثقة للحكومة أو نزعها عنها ولا حتى تقديم مذكرة استجواب شفهي لأحد الوزراء.
يحق للبرلمان محاكمة أحد الوزراء بنفس آلية وشروط محاكمة الرئيس، كما أن دعوته لانتخابات مبكرة تعني حكمًا سقوط الحكومة أيضًا.
حل البرلمان
تقول المعارضة إن التعديل الدستوري يمنح الرئيس حق «حل» البرلمان، بينما ما أعطي له في نص المواد هو حق «الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة»، بمعنى أنه يحل نفسه مع البرلمان.
من الأمور التي تأخذها المعارضة على النظام الرئاسي المقترح سلطة الرئيس على المؤسسات القضائية التي يفترض أن تكون مستقلة وحرة كي يتسنى لها أن تحاسبه وتحاكمه إن لزم الأمر.
وكمثال على ذلك تتكون هيئة القضاة والمدعين العامين وفق التعديل من 13 عضوًا يعين الرئيس منهم (بعد انتخابات داخلية بينهم) أربعة أعضاء، كما يعتبر وزير العدل ونائبه/مستشاره عضوين معينين في الهيئة، بما يعني أن 6 من أصل 13 عضوًا سيكونون معينين و 7 إنتخاب وهذا يعني التقليل من سيطرة العلمانيين .
[4/13, 4:39 PM] Haniomosh: يبدو النظام الرئاسي أكثر مناسبة للديمقراطيات الراسخة مع تثبيت آليات للضبط والتوازن (CHECKS AND BALANCES) بين المؤسسات، بينما يناسب النظام البرلماني الدول متعددة الأعراق والأديان والمذاهب والمتعثرة ديمقراطيًا أكثر