اللاجىء العراقي / عالية الشيشاني

اللاجىء العراقي

  تركوا وراءهم وطنا جريحا اسمه العراق ، تركوا الذهب بكل الوانه خلفهم ومضوا ، ذهب اخضر يتوزع على  ضفاف دجلة والفرات وديالى .. وذهب اسود يتأرجح ما بين شطري النعمة والنقمه .. تركوا رقصات الفلاحين ، واضرحة الاولياء ، تركوا فواكه كربلاء ، وموسيقى نينوى ، وملوية سامراء ومكتبات شارع الرشيد العتيقه .  تركوا لعنة مجاورة الاكاسره ، وعجرفة الانظمة الابويه ، والثمن الباهظ لحلم النهضة والانعتاق من التبعيه ، تركوا روائح الجثث المحترقة والقرى الخاوية على عروشها ، وثكالى وايتام صنعتهم ميليشيات الموت .  تركوا كل تلك الاضداد وراء ظهورهم ، ويمموا شطر الاردن وهم لا يدرون ، لعله الممر الى دول اوروبا وامريكا ، ام لعله المقر والمقام والمضجع الاخير  .

منذ التسعينيات وحتى الان يتوالى قدومهم ورحيلهم، او رجوعهم ثانية من المنافي البعيده او التيه الدولي ، بعضهم ما عاد يعنيه من العراق سوى وثيقة اسمها جواز سفر ، واخرون حدقوا طويلا في مرابع طفولتهم وصباهم ثم اغمضوا عيونهم طويلا قبل الرحيل لتكون صورة وطنهم هي اخر ما ارخوا عليه جفونهم .
في الاردن تركوا اثارهم في كل الفنادق ، الشعبية منها، واولات الخمس نجوم ، نقشوا خطواتهم المضطربة في شوارع وسط البلد ، وشكلت الساحة الهاشمية في التسعينيات ملتقى للعراقيين المقيمين واولئك الوافدين حديثا ، في ذلك الوقت كان التواصل المباشر بين البشر هو السبيل الامثل لمعرفة اخبار الداخل العراقي .
ليسوا كلهم سواء ،،فهم ببساطة يمثلون كل شرائح الشعب العراقي ، وكأي شعب فيهم الطيب والانتهازي والوطني والمتسلق ، والمرأة المستقيمة ، وتلك الايلة للسقوط ، فيهم المبدع وذو العقل المسطح .
اللاجىء العراقي في الاردن هي ( صبيحه) تلك المرأة المتشحة بعباءة سوداء تفترش الساحة الهاشمية في التسعينيات تخبىء جوازات سفر مزورة في طيات عباءتها ، تبيعها لزبائنها . لكن اللاجىء العراقي ايضا هي طبيبة العيون الماهرة ، التي حصلت واسرتها على لجوء انساني الى امريكا ، لكنها رفضت وفضلت البقاء في الاردن ، ليترعرع ابناؤها المراهقين في بيئة عربية مسلمة .

اللاجىء العراقي في الاردن هو من اثرياء الحرب الذي يبعثر نقوده على ملذاته . لكنه ايضا رجل الاعمال الذي ساهم بدفع عجلة الاقتصاد الاردني عبر مصانعه التي يعمل بها مئات الاردنيين . وهو ايضا ذلك الجنرال الذي قضى زهرة شبابه يذب عن حياض وطنه حتى تمكنت منه الامراض والعلل .

هو ذلك الرجل محدث النعمه الذي يثمل ويعربد كل مساء في النوادي الليليه، وهو ايضا ذلك المخرج الموهوب الذي بث من روحه وفنه في الدراما والمسرح وساهم في اثراء الحياة الفنيه في الاردن .
هو ذلك الافاق الذي كان يروع الامنين في بغداد ويسرق مدخراتهم ، لكنه ايضا ذلك الكاتب البارع الذي وللاسف كانت بعض الصحف الاردنيه تمتص جهده وعرقه دون مقابل يذكر . يخرج من مبنى صحيفة يوميه ليدخل مبنى صحيفة اسبوعيه وفي المساء يعود الى اسرته منهكا وقد قطع المسافات الطويلة على قدميه لانه لا يملك اجرة المواصلات . يضع رأسه على الوساده يستذكر ابيات قالها ابن بلده الشاعر رشدي العامل :

اهذا هو العمر!
طفل يراوح بين الوجود وبين الفناء
اهذا هو العمر
جسر من الوهم
بين المتاهة والرمل
بين اللظى والعراء ..

هذا هو اللاجىء العراقي بكل تناقضاته، وهذا هو الاردن بفقره وغناه ، بمنعه وعطاءه ، انه اردن (عباس) الشيعي و(فاضل ) السني ، و(عبد الرزاق عبد الواحد) الصابئي ، و(خاشو) الاشوري ، و(اواز) الكرديه .
الاردن ، ملاذ رغد ورنا صدام حسين ، ومثوى طارق عزيز ، ومستقبل اجيال عراقيه ابصرت النور على ارضه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. وفيهم ايضا علياء التي تتشح بعبائتها السوداء وتفترش الارض في الزرقاء تدلك على الفقراء من بني جلدتها ، وفيما ضالتك التي تتهمها بالكسب مع انها هرولت راجعة الى بسطتها مصدر رزقها دون ان ترهق نفسها لمعرفة غايتك او تسمع كلمة شكر منك ، فيهم ذلك الجنرال الذي رفض ان يأخذ مساعدة من الجمعيات قائلا هناك من هم احق مني مع انك تري الاسى وقد خط خطوطه على وجهه الذي زاد جمالا بعزته لنفسه
    بارك الله في قلمك عزيزتي

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى